تَهْتَدُونَ) بسلوكها إلى مقاصدكم ومنافعكم (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) أي : بقدر الحاجة وحسبما تقتضيه المصلحة ولم ينزل عليكم منه فوق حاجتكم حتى يهلك زرائعكم ويهدم منازلكم ويهلككم بالغرق ، ولا دونها حتى تحتاجوا إلى الزيادة ، وعلى حسب ما تقتضيه مشيئته في أرزاق عباده بالتوسيع تارة والتقتير أخرى (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) أي : أحيينا بذلك الماء بلدة مقفرة من النبات. قرأ الجمهور (مَيْتاً) بالتخفيف. وقرأ عيسى ، وأبو جعفر بالتشديد (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) من قبوركم ، أي : مثل ذلك الإحياء للأرض بإخراج نباتها بعد أن كانت لا نبات بها تبعثون من قبوركم أحياء ، فإن من قدر على هذا قدر على ذلك ، وقد مضى بيان هذا في آل عمران ، والأعراف. قرأ الجمهور (تُخْرَجُونَ) مبنيا للمفعول وقرأ الأعمش ، ويحيى ابن وثاب ، وحمزة ، والكسائي ، وابن ذكوان عن ابن عامر مبنيا للفاعل (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) المراد بالأزواج هنا : الأصناف ، قال سعيد بن جبير : الأصناف كلها. وقال الحسن : الشتاء والصيف ، والليل والنهار ، والسموات والأرض ، والجنة والنار ، وقيل : أزواج الحيوان من ذكر وأنثى ، وقيل : أزواج النبات ، كقوله : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (١) و (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (٢) وقيل : ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشرّ ، وإيمان وكفر ، والأوّل أولى (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) في البحر والبرّ ، أي : ما تركبونه (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) الضمير راجع إلى ما قاله أبو عبيد. وقال الفراء : أضاف الظهور إلى واحد ، لأن المراد به الجنس ، فصار الواحد في معنى الجمع بمنزلة الجنس فلذلك ذكر ، وجمع الظهر لأن المراد : ظهور هذا الجنس ، والاستواء : الاستعلاء ، أي : لتستعلوا على ظهور ما تركبون من الفلك والأنعام (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي : هذه النعمة التي أنعم بها عليكم من تسخير ذلك المركب في البحر والبرّ. وقال مقاتل والكلبي : هو أن يقول الحمد لله الذي رزقني هذا ، وحملني عليه (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) أي : ذلل هذا المركب ، وقرأ عليّ بن أبي طالب «سبحان من سخّر لنا هذا» قال قتادة : قد علمكم كيف تقولون إذا ركبتم ، ومعنى (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) ما كنا له مطيقين ، يقال أقرن هذا البعير : إذا أطاقه. وقال الأخفش وأبو عبيدة : مقرنين ضابطين ، وقيل : مماثلين له في القوّة ، من قولهم : هو قرن فلان إذا كان مثله في القوّة ، وأنشد قطرب قول عمرو بن معدي كرب :
لقد علم القبائل ما عقيل |
|
لنا في النّائبات بمقرنينا |
وقال آخر :
ركبتم صعبتي أشرا وحيفا |
|
ولستم للصّعاب بمقرنينا |
والمراد بالأنعام هنا : الإبل خاصة ، وقيل : الإبل والبقر ، والأوّل أولى (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أي : راجعون إليه ، وهذا تمام ما يقال عند ركوب الدابة أو السفينة. ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدّم ذكرهم ، فقال : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) قال قتادة : أي عدلا ، يعني ما عبد من دون الله. وقال
__________________
(١). ق : ٧.
(٢). الشعراء : ٧.