أي : بل أنت. وحكى الفراء أن بعض القراء قرأ «أما أنا خير» أي : ألست خيرا من هذا الذي هو مهين : أي ضعيف حقير ممتهن في نفسه لا عزّ له (وَلا يَكادُ يُبِينُ) الكلام لما في لسانه من العقدة ، وقد تقدم بيانه في سورة طه (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) أي : فهلا حلي بأساورة الذهب إن كان عظيما ، وكان الرجل فيهم إذا سوّدوه سوّروه بسوار من ذهب ، وطوّقوه بطوق من ذهب. قرأ الجمهور (أَسْوِرَةٌ) جمع أسورة جمع سوار. وقال أبو عمرو بن العلاء : واحد الأساورة والأساور والأساوير أسوار ، وهي لغة في سوار. وقرأ حفص (أَسْوِرَةٌ) جمع سوار ، وقرأ أبيّ : أساور ، وابن مسعود أساوير. قال مجاهد : كانوا إذا سوّدوا رجلا سوّروه بسوارين وطوّقوه بطوق ذهب علامة لسيادته (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) معطوف على ألقي ، والمعنى : هلا جاء معه الملائكة متتابعين متقارنين ؛ إن كان صادقا يعينونه على أمره ويشهدون له بالنبوّة ، فأوهم اللعين قومه أن الرسل لا بدّ أن يكونوا على هيئة الجبابرة ، ومحفوفين بالملائكة (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) أي : حملهم على خفة الجهل والسفه بقوله ، وكيده ، وغروره. فأطاعوه فيما أمرهم به ، وقبلوا قوله وكذبوا موسى (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي : خارجين عن طاعة الله. قال ابن الأعرابي : المعنى فاستجهل قومه فأطاعوه بخفة أحلامهم ، وقلة عقولهم ، يقال استخفه الفرح : أي أزعجه ، واستخفه : أي حمله ، ومنه (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (١) وقيل استخفّ قومه : أي وجدهم خفاف العقول ، وقد استخف بقومه وقهرهم حتى اتبعوه (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) قال المفسرون : أغضبونا ، والأسف : الغضب ، وقيل : أشدّ الغضب ، وقيل : السخط ، وقيل المعنى : أغضبوا رسلنا. ثم بين العذاب الذي وقع به الانتقام فقال : (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) في البحر (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) أي : قدوة لمن عمل بعملهم من الكفار في استحقاق العذاب. قرأ الجمهور : سلفا بفتح السين واللام جمع سالف كخدم وخادم ، ورصد وراصد ، وحرس وحارس ، يقال سلف يسلف : إذا تقدّم ومضى. قال الفراء والزجاج : جعلناهم متقدّمين ليتعظ بهم الآخرون ، وقرأ حمزة والكسائي : سلفا بضم السين واللام. قال الفراء : هو جمع سليف ، نحو سرر وسرير. وقال أبو حاتم : هو جمع سلف نحو خشب وخشب. وقرأ علي ، وابن مسعود ، وعلقمة ، وأبو وائل ، والنخعي ، وحميد بن قيس بضم السين ، وفتح اللام جمع سلفة ، وهي : الفرقة المتقدّمة نحو غرف وغرفة ، كذا قال النضر بن شميل (وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) أي : عبرة وموعظة لمن يأتي بعدهم ، أو قصة عجيبة تجري مجرى الأمثال.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) قال : كانت بموسى لثغة في لسانه. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه (فَلَمَّا آسَفُونا) قال : أسخطونا. وأخرجا عنه أيضا آسفونا قال : أغضبونا ، وفي قوله : (سَلَفاً) قال : أهواء مختلفة. وأخرج أحمد ، والطبراني ، والبيهقي في الشعب ، وابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا رأيت الله يعطي العبد ما شاء وهو مقيم على معصية فإنما ذلك استدراج منه له ، وقرأ (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ)». وأخرج ابن المنذر ،
__________________
(١). الروم : ٦٠.