لهم فقال : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي : مظهر لعداوته لكم غير متحاش عن ذلك ولا متكتم به كما يدلّ على ذلك ما وقع بينه وبين آدم وما ألزم به نفسه من إغواء جميع بني آدم إلا عباد الله المخلصين (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) أي : جاء إلى بني إسرائيل بالمعجزات الواضحة والشرائع. قال قتادة : البينات هنا : الإنجيل (قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) أي : النبوّة ، وقيل : الإنجيل ، وقيل : ما يرغّب في الجميل ويكفّ عن القبيح (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من أحكام التوراة. وقال قتادة : يعني اختلاف الفرق الذين تحزّبوا في أمر عيسى. قال الزجاج : الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه ، فبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. وقيل : إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم. وقال أبو عبيدة : إن البعض هنا بمعنى الكلّ كما في قوله : (يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) وقال مقاتل : هو كقوله : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) : يعني ما أحلّ في الإنجيل مما كان محرّما في التوراة كلحم الإبل ، والشحم من كل حيوان ، وصيد السمك يوم السبت ، واللام في : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ) معطوفة على مقدّر كأنه قال : قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ولأبين لكم. ثم أمرهم بالتقوى والطاعة فقال : (فَاتَّقُوا اللهَ) أي : اتقوا معاصيه (وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به من التوحيد والشرائع (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) هذا بيان لما أمرهم بأن يطيعوه فيه (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي عبادة الله وحده والعمل بشرائعه (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ). قال مجاهد والسدّي : الأحزاب هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. وقال الكلبي ومقاتل : هم فرق النصارى اختلفوا في أمر عيسى. قال قتادة : ومعنى «من بينهم» : أنهم اختلفوا فيما بينهم ، وقيل : اختلفوا من بين من بعث إليهم من اليهود والنصارى ، والأحزاب هي الفرق المحزبة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) من هؤلاء المختلفين ، وهم الذين أشركوا بالله ، ولم يعملوا بشرائعه (مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) أي : أليم عذابه وهو يوم القيامة (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) أي : هل يرتقب هؤلاء الأحزاب وينتظرون إلا الساعة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أي : فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي : لا يفطنون بذلك ، وقيل : المراد بالأحزاب : الذين تحزّبوا على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وكذبوه ، وهم المرادون بقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) والأوّل أولى (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أي : الأخلاء في الدنيا المتحابون فيها يوم تأتيهم الساعة بعضهم لبعض عدوّ ، أي : يعادي بعضهم بعضا ، لأنها قد انقطعت بينهم العلائق ، واشتغل كل واحد منهم بنفسه ، ووجدوا تلك الأمور التي كانوا فيها أخلاء أسبابا للعذاب فصاروا أعداء. ثم استثنى المتقين فقال : (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة ، لأنهم وجدوا تلك الخلة التي كانت بينهم من أسباب الخير والثواب ، فبقيت خلتهم على حالها (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) أي : يقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله بهذه المقالة فيذهب عند ذلك خوفهم ، ويرتفع حزنهم (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) الموصول : يجوز أن يكون نعتا لعبادي ، أو : بدلا منه ، أو : عطف بيان له ، أو : مقطوعا عنه في محل نصب على المدح ، أو : في محل رفع بالابتداء ، وخبره : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) على تقدير : يقال لهم ادخلوا الجنة. والأوّل أولى ، وبه قال الزجاج. قال مقاتل : إذا وقع الخوف يوم القيامة نادى مناد