يا عبادي لا خوف عليكم ، فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رؤوسهم ، فيقال : الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فينكس أهل الأوثان رؤوسهم غير المسلمين. قرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو عمرو يا عبادي بإثبات الياء ساكنة وصلا ووقفا ، وقرأ أبو بكر وزرّ بن حبيش بإثباتها وفتحها في الحالين ، وقرأ الباقون بحذفها في الحالين (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) المراد بالأزواج نساؤهم المؤمنات ، وقيل : قرناؤهم من المؤمنين ، وقيل : زوجاتهم من الحور العين (تُحْبَرُونَ) تكرمون ، وقيل : تنعمون ، وقيل : تفرحون ، وقيل : تسرون ، وقيل : تعجبون ، وقيل : تلذذون بالسماع ، والأولى تفسير ذلك بالفرح والسرور الناشئين عن الكرامة والنعمة (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ) الصحاف جمع صفحة : وهي القصعة الواسعة العريضة. قال الكسائي : أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة ، وهي تشبع عشرة ، ثم الصحفة ، وهي تشبع خمسة ، ثم المكيلة وهي تشبع الرجلين والثلاثة ، والمعنى : أن لهم في الجنة أطعمة يطاف عليهم بها في صحاف الذهب (وَ) لهم فيها أشربة يطاف عليهم بها في ال (أَكْوابٍ) وهي جمع كوب. قال الجوهري. الكوب كوز لا عروة له ، والجمع أكواب. قال الأعشى :
صريفيّة طيّب طعمها |
|
لها زبد بين كوب ودنّ |
وقال آخر :
متّكئا تصفق أبوابه |
|
يسعى عليه العبد بالكوب |
قال قتادة : الكوب المدوّر القصير العنق ؛ القصير العروة ، والإبريق المستطيل العنق الطويل العروة. وقال الأخفش : الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها. وقال قطرب : هي الأباريق التي ليست لها عرا (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) قرأ الجمهور «تشتهي» وقرأ نافع وابن عامر وحفص «تشتهيه» بإثبات الضمير العائد على الموصول ، والمعنى : ما تشتهيه أنفس أهل الجنة من فنون الأطعمة والأشربة ونحوهما مما تطلبه النفس وتهواه كائنا ما كان ، وتلذ الأعين من كل المستلذات التي تستلذّ بها وتطلب مشاهدتها ، تقول لذّ الشيء يلذ لذاذا ولذاذة : إذا وجده لذيذا والتذّ به ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «تشتهيه الأنفس وتلذّه الأعين» (وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) لا تموتون ولا تخرجون منها (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : يقال لهم يوم القيامة هذه المقالة : أي : صارت إليكم كما يصير الميراث إلى الوارث بما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة ، واسم الإشارة : مبتدأ ، والجنة : صفته ، والتي أورثتموها : صفة للجنة ، والخبر : بما كنتم تعملون ، وقيل الخبر : الموصول مع صلته ، والأوّل أولى (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ) الفاكهة معروفة ، وهي : الثمار كلها رطبها ويابسها ، أي : لهم في الجنة سوى الطعام والشراب فاكهة كثيرة الأنواع والأصناف (مِنْها تَأْكُلُونَ) من تبعيضية أو ابتدائية ، وقدّم الجار لأجل الفاصلة.
وقد أخرج أحمد ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لقريش : «إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير ، قالوا : ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبدا من عباد الله