(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) (١) وقيل المعنى : أم قضوا أمرا فإنا قاضون عليهم أمرنا بالعذاب قاله الكلبي. (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) أي : بل أيحسبون أنا لا نسمع ما يسرّون به في أنفسهم ، أو ما يتحدثون به سرّا في مكان خال ، وما يتناجون به فيما بينهم (بَلى) نسمع ذلك ونعمل به (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) أي : الحفظة عندهم يكتبون جميع ما يصدر عنهم من قول أو فعل ، والجملة في محل نصب على الحال ، أو معطوفة على الجملة التي تدلّ عليها بلى. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقول للكفار قولا يلزمهم به الحجة ويقطع ما يوردونه من الشبهة فقال : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي : إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أوّل من عبد الله وحده ، لأن من عبد الله وحده فقد دفع أن يكون له ولد ، كذا قال ابن قتيبة. وقال الحسن والسدّي : إن المعنى ما كان للرحمن ولد ، ويكون قوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ابتداء كلام ، وقيل المعنى : قل يا محمد إن ثبت لله ولد ، فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته ، ولكنه يستحيل أن يكون له ولد. وفيه نفي للولد على أبلغ وجه ، وأتمّ عبارة ، وأحسن أسلوب ، وهذا هو الظاهر من النظم القرآني ، ومن هذا القبيل قوله تعالى : (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢) ومثل هذا قول الرجل لمن يناظره : إن ثبت ما تقوله بالدليل فأنا أوّل من يعتقد ويقول به ، فتكون «إن» في «إن كان» شرطية ، ورجح هذا ابن جرير وغيره. وقيل معنى العابدين : الآنفين من العبادة ، وهو تكلف لا ملجئ إليه ، ولكنه قرأ أبو عبد الرحمن اليماني «العبدين» بغير ألف ، يقال عبد يعبد عبدا بالتحريك : إذا أنف وغضب فهو عبد ، والاسم العبدة مثل الأنفة ، ولعل الحامل لمن قرأ هذه القراءة الشاذة البعيدة هو استبعاد معنى (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) وليس بمستبعد ولا مستنكر. وقد حكى الجوهري عن أبي عمرو في قوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أنه من الأنف والغضب. وحكاه المارودي عن الكسائي والقتبي ، وبه قال الفراء : وكذا قال ابن الأعرابي : إن معنى العابدين الغضاب الآنفين. وقال أبو عبيدة : معناه الجاحدين ، وحكى عبدني حقي : أي جحدني ، وقد أنشدوا على هذا المعنى الذي قالوه قول الفرزدق :
أولئك أحلاسي فجئني بمثلهم |
|
وأعبد أن يهجى كليبا بدارم |
وقوله أيضا :
أولئك ناس لو هجوني هجوتهم |
|
وأعبد أن يهجى كليب بدارم |
ولا شك أن عبد وأعبد بمعنى أنف أو غضب ثابت في لغة العرب وكفى بنقل هؤلاء الأئمة حجة ، ولكن جعل ما في القرآن من هذا من التكلف الذي لا ملجئ إليه ومن التعسف الواضح. وقد ردّ ابن عرفة ما قالوه فقال : إنما يقال عبد يعبد فهو عبد ، وقلّ ما يقال عابد والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ. قرأ الجمهور «ولد» بالإفراد ، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما «ولد» بضم الواو وسكون اللام (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي : تنزيها له وتقديسا عما يقولون من الكذب بأن له ولدا ويفترون
__________________
(١). الطور : ٤٢.
(٢). سبأ : ٢٤.