عليه سبحانه ما لا يليق بجنابه ، وهذا إن كان من كلام الله سبحانه فقد نزه عما قالوه ، وإن كان من تمام كلام رسوله الذي أمره بأن يقوله فقد أمره بأن يضمّ إلى ما حكاه عنهم بزعمهم الباطل تنزيه ربه وتقديسه (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) أي : اترك الكفار حيث لم يهتدوا بما هديتهم به ولا أجابوك فيما دعوتهم إليه يخوضوا في أباطيلهم ، ويلهوا في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة ، وقيل : العذاب في الدنيا ، قيل : وهذا منسوخ بآية السيف ، وقيل : هو غير منسوخ وإنما أخرج مخرج التهديد. قرأ الجمهور «يلاقوا» وقرأ مجاهد ، وابن محيصن ، وابن السميقع «حتّى يلقوا» بفتح الياء وإسكان اللام من غير ألف ، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) الجار والمجرور في الموضعين متعلق بإله لأنه بمعنى معبود أو مستحق للعبادة ، والمعنى : وهو الذي معبود في السماء ومعبود في الأرض ، أو مستحق للعبادة في السماء ، والعبادة في الأرض. قال أبو عليّ الفارسي : وإله في الموضعين مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : وهو الذي في السماء هو إله ، وفي الأرض هو إله ، وحسن حذفه لطول الكلام ، قال : والمعنى على الإخبار بإلاهيته ، لا على الكون فيهما. قال قتادة : يعبد في السماء والأرض ، وقيل في : بمعنى على ، أي : هو القادر على السماء والأرض كما في قوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (١) وقرأ عمر ابن الخطاب ، وعليّ بن أبي طالب ، وابن مسعود «وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله» على تضمين العلم معنى المشتق فيتعلق به الجار والمجرور من هذه الحيثية (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) أي : البليغ الحكمة الكثير العلم (وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) تبارك تفاعل من البركة وهي كثرة الخيرات ، والمراد بما بينهما : الهواء وما فيه من الحيوانات (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : علم الوقت الذي يكون قيامها فيه (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجازي كلّ أحد بما يستحقه من خير وشرّ ، وفيه وعيد شديد. قرأ الجمهور «ترجعون» بالفوقية ، وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي بالتحتية (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) أي : لا يملك من يدعونه من دون الله من الأصنام ونحوها الشفاعة عند الله كما يزعمون أنهم يشفعون لهم. قرأ الجمهور «يدعون» بالتحتية ، وقرأ السلمي وابن وثاب بالفوقية (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) أي : التوحيد (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي : هم على علم وبصيرة بما شهدوا به ، والاستثناء يحتمل أن يكون متصلا ، والمعنى : إلا من شهد بالحق ، وهم المسيح وعزير وبصيرة بما شهدوا به ، والاستثناء يحتمل أن يكون متصلا ، والمعنى : إلا من شهد بالحق ، وهم المسيح وعزير والملائكة ، فإنهم يملكون الشفاعة لمن يستحقها. وقيل : هو منقطع ، والمعنى : لكن من شهد بالحق يشفع فيه هؤلاء. ويجوز أن يكون المستثنى منه محذوفا ، أي : لا يملكون الشفاعة في أحد إلا فيمن شهد بالحق. قال سعيد بن جبير وغيره : معنى الآية : أنه لا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق ، وآمن على علم وبصيرة. وقال قتادة : لا يشفعون لعابديها ، بل يشفعون لمن شهد بالوحدانية. وقيل : مدار الاتصال في هذا الاستثناء على جعل الذين يدعون عاما لكل ما يعبد من دون الله ، ومدار الانقطاع على جعله خاصا بالأصنام (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) اللام هي الموطئة للقسم ، والمعنى : لئن سألت هؤلاء المشركين العابدين للأصنام من خلقهم أقرّوا واعترفوا بأن خالقهم الله ،
__________________
(١). طه : ٧١.