يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٤))
جملة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) مستأنفة مسوقة لتقدير ما تقدّمها من الأحكام ، و «إنما» من صيغ الحصر ، والمعنى : لا يتمّ إيمان ولا يكمل حتى يكون (بِاللهِ وَرَسُولِهِ) وجملة (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) معطوفة على آمنوا داخلة في حيز الصلة ، أي : إذا كانوا مع رسول الله على أمر جامع ، أي : على أمر طاعة يجتمعون عليها ، نحو الجمعة والنحر والفطر والجهاد ، وأشباه ذلك ، وسمى الأمر جامعا : مبالغة (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) قال المفسرون : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر لم يخرج حتى يقوم بحيال النبيّ صلىاللهعليهوسلم حيث يراه ، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن فيأذن لمن يشاء منهم. قال مجاهد : وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده. قال الزجاج : أعلم الله أن المؤمنين إذا كانوا مع نبيه فيما يحتاج فيه إلى الجماعة لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، وكذلك ينبغي أن يكونوا مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه في جمع من جموعهم إلا بإذنه ، وللإمام أن يأذن وله أن لا يأذن على ما يرى لقوله تعالى : (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) وقرأ اليماني : على أمر جميع. والحاصل أن الأمر الجامع ، أو الجميع ، هو الذي يعمّ نفعه أو ضرره ، وهو الأمر الجليل الذي يحتاج إلى اجتماع أهل الرأي والتجارب. قال العلماء : كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن ، ثم قال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فبين سبحانه أن المستأذنين : هم المؤمنون بالله ورسوله ، كما حكم أوّلا بأن المؤمنين الكاملي الإيمان : هم الجامعون بين الإيمان بهما وبين الاستئذان (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أي : إذا استأذن المؤمنون رسول الله صلىاللهعليهوسلم لبعض الأمور التي تهمّهم ، فإنه يأذن لمن شاء منهم ، ويمنع من شاء على حسب ما تقتضيه المصلحة التي يراها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أرشده الله سبحانه إلى الاستغفار لهم ، وفيه إشارة إلى أن الاستئذان إن كان لعذر مسوّغ ، فلا يخلو عن شائبة تأثير أمر الدنيا على الآخرة (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : كثير المغفرة والرحمة بالغ فيهما إلى الغاية التي ليس وراءها غاية (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) وهذه الجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها ، أي : لا تجعلوا دعوته إياكم كالدعاء من بعضكم لبعض ، في التساهل في بعض الأحوال عن الإجابة أو الرجوع بغير استئذان ، أو رفع الصوت. وقال سعيد بن جبير ومجاهد : المعنى قولوا : يا رسول الله! في رفق ولين ، ولا تقولوا : يا محمد بتجهّم. وقال قتادة : أمرهم أن يشرّفوه ويفخموه. وقيل المعنى : لا تتعرّضوا لدعاء الرسول عليكم بإسخاطه ، فإن دعوته موجبة (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) التسلل : الخروج في خفية ، يقال تسلل فلان من بين أصحابه : إذا خرج من بينهم ، واللواذ من الملاوذة ، وهو أن تستتر بشيء ، مخافة من يراك ، وأصله أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا ، واللوذ ما يطيف بالجبل ، وقيل : اللواذ الزوغان من شيء إلى شيء في خفية. وانتصاب لواذا على الحال ، أي : متلاوذين ، يلوذ بعضهم ببعض ، وينضمّ إليه ، وقيل :