فإن قلت : اشتعال الشيب في الرأس سبب في الوهن فهلا قدم عليه؟ قلت : إنما يؤكد الأضعف بالأقوى ، والوهن أقوى في الدلالة على الضعف من الشيب ؛ لأن الإنسان قد يشيب صغيرا مؤكد هنا بالأقوى الأضعف فلا فائدة فيه.
قال ابن عرفة : وعادتهم يجيبون بأن الوهن سبب خفي ، والاشتعال بالشيب سبب ظاهر يراه كل أحد فأخره ليكون كالدليل عليه ، وأجيب بأن الوهن يكون لمرض ، فهو قابل للتداوي والرجوع إلى حالته الأولى ، فلما عقبه بالشيب دل على أنه أمر لازم.
ابن عرفة : ؛ لأنه يضعف الابن الكبر فليس لها دواء.
فإن قلت : هلا قال : وهن مني عظمي؟ فالجواب : أن فيه التبيين بعد الإجمال.
كما قال الزمخشري في قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) [سورة البقرة : ١٢٧] ، فإن قلت : هلا قال : واشتعل شيب الرأس؟ فأجاب بأنه مجاز على جهة المبالغة في نسب الاشتعال لجمع الرأس ؛ إشارة إلى عموم الشيب في رأسه حتى كأنه شيب.
قوله تعالى : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا).
معناه : أني أدعوك فإن استجبت لي حصلت السعادة ، وإن لم تستجب لي أجرت أجر التفرغ والخضوع فلم أكن شقيا بوجه ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول ؛ أي ولم أكن بدعائي إياك شقيا.
قوله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي).
فإن قلت : هذا معطوف على وهن المؤكد فهلا استغنى عن إعادة إني؟ فالجواب : إما بأنه تأكيد الشيب في المطلب ، وإما بأن وهن العظم والمشتعل الرأس ليس من كسبه بوجه ، وخوف الموالي من أقاربه في الكسب فهو مباين للأول ، وقرئ (خِفْتُ) ومعنى من ورائي من بعدي ، فعلى قراءة (خِفْتُ) يفهم معنى الآية ؛ لأنه بمنزلة رجل ومات نظراؤه في صناعته ؛ حتى لم يبق منهم إلا إنسان ، فيقال : خفت الصناع من بعدي ؛ لأنه يقطع إذا مات لا يبقى إلا إنسان ، وعلى قراءة (خِفْتُ) لا يصح المعنى ؛ لأن إذا مات ارتفع خوفه من هذه من رضى الدنيا لا يخاف مما كان بعد موته.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ).
ابن عطية : كيف استبعد زيادة الولد بعد أن طلبه ودعا به ، فأجاب بأربعة أوجه :