مع أنك إذا قلت : فلان يحمل الصخرة ويحمل الرطل لم يكن له فائدة ، ؛ لأنه إذا حمل الثقيل فأحرى أن يحمل ما دونه ، وأجيب بأن المراد ويعملون عملا غير (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) [سورة سبأ : ١٣] ، ويكون المراد أنهم نوعان : نوع يغوص ، ونوع يعمل عملا آخر.
فرده ابن عرفة : بأن ذلك بعيد من لفظ دون ، قال : والجواب الآخر يحتاج إلى إضمار.
قال : وإنما عادتهم يجيبون بأنه إن جعلنا اللفظ باعتبار القوة والقدرة فهو تكرار كما قلتم ، وإن جعلناه باعتبار الامتثال والطاعة فهو تأسيس ، لأن من يطيعك في حمل الثقيل قد تأنف نفسه عن طاعتك في حمل الخفيف لكونه يستحقره ؛ كقولك : يتآزر الجيش العظيم ويجمل للسلطان فعله إذا جلس فهذا ليس بتأكيد ، وإنما هو تأسيس لهذا الاعتبار.
قوله تعالى : (لَهُمْ حافِظِينَ).
هذا احتراس ، أي حالهم مستعدين في أمورهم لئلا يأتون على غير الوجه المراد منها ، فهو إشارة إلى أن جميع الأشياء بخلق الله وقدرته.
قوله تعالى : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ).
ولم يقل : لحقني أو أصابني مع أن المس أخف ، وقد طال زمن ، فمر هذا إشارة إلى أن هذا بالنسبة إلى غيره كالمبدأ ، وهذا على جهة التلطف منه في الدعاء ، ولذلك لم يقل فارحمني.
قوله تعالى : (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ).
هذا العطف على جهة الترقي ؛ لأن كشف الضر أمر حاجيّ ضروري ، إذ هو من دفع المؤلم ، فآتينا الأهل والمال أمر تكميلي ، ؛ لأن من جلب الملائم فأعطاه الأمر التكميلي بعد الأمر الحاجي أقوى وأبلغ ، قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير في سورة ص (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) [سورة ص : ٤٢] فذكر السبب في كشف الضر هنا ، لم يذكر له سببا ، وقال تعالى هناك (أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا)(١) [سورة فصلت : ٥٠] ، وقال هنا (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) ، وقال هناك (وَذِكْرى لِأُولِي
__________________
(١) وردت في المخطوطة : واتيناه رحمة منا ووردت في المصحف : أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا ، وقد أثبتنا ما في المصحف.