قلت : وقال ابن عرفة : إنما كرر هنا ؛ لأن الأول مجمل وهذا مبين نفي ما يستند إليه في جداله ، أو الأول مصمم على الكفر وهذا مقلد غيره في الكفر ، والأول : يجادل المسلمين جدالا فابتدأ عن نفسه مريدا به الدوام على الكفر ، والثاني : يجادل ليضل غيره ويتسبب في كفره.
قوله تعالى : (بِغَيْرِ عِلْمٍ).
قال الزمخشري : أراد به العلم الضروري.
قوله تعالى : (وَلا هُدىً).
فأراد به العلم النظري.
وتعقبه ابن عرفة : التكليف من تشرطة العقل ، وقد قال الإمام في الإرشاد : العقل علوم ضرورية ، فإذا انتفى عن هذا المجادل العلم الضروري سقط التكليف ؛ لأنه غير عاقل ، فكيف يحصر؟ قال : وإنما يقال : إن العلوم على قسمين علم ابتدائي ، وهو ما استفاده الإنسان من ذات نفسه بفكره وعقله من غير تعليم ، كعلم ابن سيناء ، والفارابي والشيخ أبي الحسن الأشعري ، ومالك رحمهمالله تعالى ، وعلم ثان وهو ما جعل للإنسان بالتعليم من غيره ، كعلم ابن القاسم ، وأشهب رحمهماالله تعالى الفقه ، وعلمنا نحن بأصول الدين ، فقوله تعالى : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يريد به العلم الابتدائي.
قوله تعالى : (وَلا هُدىً).
يريد به العلم المعلم.
قوله تعالى : (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).
قال الزمخشري : هو الوحي.
ابن عرفة : ظاهره الوحي المنزل عليه وهو أخص من أن يتوهم فيه هذا ، وإنما المراد غير أن يسمع من النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم وحيا في هذا.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ).
قيل : المراد به من أسلم إسلاما قريبا من الكفر فسلك في الآية مسلك التدلي.
الأول : كافر مصمم مجادل جدالا مجملا متبعا فيه كل شيطان مريد.
والثاني : كافر مقلد مجادل من غير دليل ولا برهان ، والثالث : كافر مسلم إسلاما ضعيفا ، وهذا يحتمل أن يكون تقسيما مستوفيا أو غير مستوف مثال المستوفي.