أن يفتنوهم على دينهم ، فقولك : لم يكن ثم حق فوجب الإخراج إلا هذا باطل ، قلت له لم يكن ثم حق يوجب الإخراج إلا هذا ؛ لأنه الأصل الذي أثبتنا عليه ما عداه ، فقولهم (رَبُّنَا اللهُ) ، مرادف لقوله : لم يخرجوا بحق إلا بالإيمان ، وقيل : إن هذا حق يبطل من وجه آخر وهو أن المعنى عنده اخرجوا أولا ، معنى للإخراج عندهم إلا هذا ومن أين يفهم عندهم ، قلت : المعنى يفهمه.
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها).
قال ابن عرفة : لما تضمن الأمر السابق إهلاك الأمم السالفة في قوله تعالى : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ) ، وبقي أثرهم ضاربا عقبه بذم هؤلاء في عدم اتعاظهم بهم ، ونظرهم النظر الهادي إلى الصواب ، وكان بعضهم يقول : السير في الأرض إما حسي باعتبار سماع أخبارهم فمن أدركهم قطع مغادرها للتفكير والنظر في آثار الكفار المهلكين بسبب تكذيبهم ، أو معنوي باعتبار سماع أخبار أحبارهم ممن أدركهم أو قرأ لهم في الكتب.
قوله تعالى : (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها).
راجح للسير الحسي (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) ، راجح للسير المعنوي ، وهو سماع ذلك ممن أدركهم هذا أن ثبتنا على تفسير السير بالحسي والمعنوي ، وإن لم نبين على هذا فتقول : إنما عطفت هذه بلو دون الواو ؛ لأن الواو تقتضي الجمع فيكونوا ذموا على ذم المجموع ، والذم على عدم الاتصاف بكل واحد من ذلك يستلزم الذم على عدم الاتصاف بالمجموع من باب أحرى ، فإذا ذموا على عدم العقل بانفراده ، وعلى عدم الجمع بانفراده فأحرى أن يذموا على عدمها معا ، قال ابن عطية : وفيه دليل على أن العقل في القلب.
فرده بعض الطلبة : بأن النظر مشروط بوجود العقل ، فما يوجب عليه النظر حتى يكون عاقلا ، فكيف نظره شرطا في عقله ، فقال ابن عرفة : العقل التكليفي ، هو الذي يتوقف على وجوده وجوب النظر ، والعقل النافع ، هو الذي يتوقف وجوده على تقدم النظر عليه ، قيل لابن عرفة : ما اختلف الأطباء والفقهاء ، إلا في محل العقل التكليفي ، فقول ابن عطية : إنه في القلب لم يرويه إلا العقل التكليفي ، قال محلها واحد.
قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ).