أي لعليم بمن جاهد وهاجر ، حليم عن معنى من سيئاته فيعفوا عنها ، ولا يعاقبه بها.
قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ).
قال ابن عرفة : اللفظ أن ذلك فعل مثل أما بعد ونحوها لمباينة هذه الجملة لما قبلها ، وجعلها الفخر متصلة وقرر وجها لمناسبة بينهما ، وقال ابن عطية : سبب نزولها أن بعض المسلمين أمن بعض المشركين في شهر محرم ، وفيه القتال وأرادوا قتالهم فناشدوهم أن لا يقاتلوهم ، ولم يفعلوا فقاتلوهم فنصرهم الله عليهم.
قال ابن عرفة : لفظ الآية مخالف للسبب ؛ لأن ظاهرها أن المسلمين هم المبادون بالقتال ، إلا أن يريد بذلك بدايتهم من المناولة والمعاقدة فيكون مجازا فسمي المقاولة عقوبة ثم يعبر عليه بالقتال بالفعل.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
قال الزمخشري : أي عفو عن الجاني على طريق التستر به ، إشارة إلى أن عقوبة المؤمن للكافر على ما جنى عليه جائزة ، لكن العفو راجح ، لقوله تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [سورة الشورى : ٤٠] ، وقوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [سورة البقرة : ٢٣٧] ، فقال ابن عرفة : إنما هو بعد القدرة عليه ، وأما قبل القدرة عليه فلا يجوز له العفو عنه بوجه ، فقصر الآية على عفو المسلم على الكافر ، وكان بعضهم يجعلها عامة ، وتقدير وجه المناسبة بأن الإنسان لا يعاقب بالمثل ، إلا إذا تحقق وجه مماثلة العقوبة للحماية ، أما إذا شك في المماثلة ، فإنه ينبغي له أن يعفو ويترك حقه إذ لعله يعاقب أكثر من الخيانة ، وقرر الطيبي : وجه المناسبة كان ذلك في شهر حرام ، فكان الأولى عدم وقوف المسلمين لهم في القتال ، وأن يصفحوا عنهم ويتفرقوا.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ).
قال ابن عرفة : هذه لذلك سبب فصل بل يعتقدوا بأن نصرة الله لكم لاتصافه بالوحدانية والقدرة والإرادة ، بدليل إيلاجه الليل في النهار والنهار في الليل.
قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
ابن عرفة : تكلم الزمخشري هنا كلاما موافقا لمذهب أهل السنة ، فقال : سميع بما يقولون بصير بما يفعلون ، مع أن المعتزلة يردون ذلك كله إلى صفة العلم ، وكان