قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).
ابن عرفة : كان بعضهم يقول : إن دل الدليل على الاعتناء بالمخاطب ، فإنه يقال : لا تحسب زيدا قائما ، وإن لم يقصد الاعتناء به ، فيقال : ليس زيد قائما.
قوله تعالى : (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ).
وكان بعضهم يقول : إطلاق الألفاظ على مسمياتها تابع للتركيب الوجودي ، ولا شك إن ظن الخير سبب في قوله : والسبب سابق على المسبب ، هلا عطف بالفاء ، فكان يقال : فقالوا هذا إفك ، قال : لكن يجاب بأنه إذا كانت السببية ظاهرة جلية ، لم يحتج إلى عطفها بالفاء ، وإنما يحتاج ذلك في السببية الحقيقية.
قوله تعالى : (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ).
ابن عرفة : يؤخذ منه أن من قذفه رجل بالزنا ، وعلم من نفسه صدق قاذفه ، وأنه زان فلا ينبغي له السكوت عنه ، بل يرفع أمره إلى الحاكم ، ويقوم بحقه في ذلك حتى يجد قاذفه حد القذف بدليل قوله تعالى : (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) فكل من لم يأت بالشهادة على صحة قوله فهو عند الله كاذب ، وإن كان في نفس الأمر صادقا ، يؤخذ من الآية أن من رمى عائشة رضي الله عنها ، وكرم وجه أبيها بذلك ، فهو كافر ؛ لأنه كذب بالقرآن ، ومن رمى غيرها من نسائه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ورضى عنهن فهو فاسق ؛ لأن الكل مبرءات ظاهرات غير أن تبرئة عائشة رضي الله عنها ، وكرم وجه أبيها ، وردت في القرآن بخلاف غيرها ، ولم يكن هذا في زوجة نبي قط ؛ لأنه مما يعيب الرجل أن تكون زوجته زانية.
__________________
وابن الجارود النيسابوري في المنتقى من السنن المسندة حديث رقم : ٧٤٢ ، والدارقطني في سننه حديث رقم : ٣٢٥٧ ، والبيهقي في السنن الصغير حديث رقم : ١٢٤٩ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٤١٤٦ ، والبيهقي في معرفة السنن والآثار حديث رقم : ٤٢٢٦ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٤٣٣٦ ، وأبو داود الطيالسي في مسنده حديث رقم : ٢٧٨٠ ، والحميدي في مسنده حديث رقم : ٦٤٨ ، والشافعي في مسنده حديث رقم : ١١٦٥ ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده حديث رقم : ٥٥٩٤ ، وأبو عوانة الإسفرائيني في مسنده حديث رقم : ٣٧٢٤ ، وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه حديث رقم : ١٢١٠٩ ، وابن أبي شيبة في مصنفه حديث رقم : ١٢٩٩٤ ، والنسائي في سننه حديث رقم : ٣٤٣٩.