ما تقدم في سورة قد أفلح ، في قوله تعالى : (ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) [سورة المؤمنون : ١٠٢].
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ).
إنما جمع المرسلين بناء على أن آدم عليه الصلاة والسّلام رسول ، وكذلك إدريس عليهالسلام رسول ، وهو سابق على نوح عليهالسلام ، ولأنهم إذا كذبوا نوحا فقد كذبوا المرسلين ، لأنهم جاءوا بمثل ما جاء به نوح عليهمالسلام ، ولأن المعجزات متحدة ، فتكذيبهم لمن جاء بشيء منها تكذيب للجميع أو جمعه باعتبار تفسير حالاته ، فهو في حالة يدعوهم إلى الله بشيرا ، وفي حالة يدعوهم إلى الله نذيرا مخوفا ، كقوله :
فقلت : اجعلوا ضوء الفراقد كلها |
|
يمينا وهذا النجم من عن شمالك |
قوله تعالى : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) ولم يقل : ما أقبل منكم عليه أجرا ، فهو أعم ؛ لأن الدعاء إلى الله تعالى وطلب الامتثال له يقتضي التشوف للأجر على ذلك ، فلهذا قال : (وَما أَسْئَلُكُمْ).
قوله تعالى : (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ).
أي أنؤمن لك حالة كونك اتبعك أراذل الناس؟ فلا يرضى بحالهم في الإيمان بك.
قوله تعالى : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
وتقرير هذا الجواب بوجهين :
الأول : أنكم وقفتم مع الأمر العادي الدنيوي في كون قومي المتبعين لك متصفين بأرذل الصنائع ، وأنا وقفت مع العادي الدنيء ، لأنهم وإن كانوا أرذل في الظاهر فهم أخيار في الباطن لاتصافهم بالإيمان والعمل الصالح.
الوجه الثاني : أنه تقرر في المعقول ، أن الأمر النائب لتساويهما يستحيل ترجيح أحدهما على الآخر ، وهؤلاء رجحوا المرجوح كأنهم رجحوا الاتصاف بأرذل الصنائع على أشرفها ، فاختار الحياكة ، والحجامة ، والجزارة ، وهي أرذل الصفات فلا عقل له ، فكيف يتبع من لا عقل له؟ فأجابهم نوح عليهالسلام : بأنهم لعل لهم علما بالسبب المرجح لذلك غيره ، أي : وما علمي بسبب ما كانوا يعملون ، فما رجحوا علم ذلك إلا لسبب خفي ظهر لهم ولم يظهر لكم.
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ).