التكذيب إما لحكم بعدم مطابقة الخبر للمخبر عنه ، أو عدم الحكم بالمطابقة ، وينبني على هذا أن الشاك هل هو مكذب أم لا؟ وفي الآية إشكال : وهو أن التكذيب لا يصح أن يكون متعلقه (أَلا تَتَّقُونَ ؛) لأنه طلب غير محتمل للصدق والكذب ، ولا يصح أن يرجع لقوله تعالى : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ؛) لأنه تعليل لذلك الطلب وتابع له ، وليس مقصود بالذات ، والجواب أنهم كذبوه في دعوى الرسالة المستلزم لتكذيبهم في كل ما جاء به.
قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ).
قيل لشيخنا ابن عرفة : هذا استفهام في معنى الإنكار عليهم ، فإن تسلط الإنكار على كل واحد من المحتملين لزم عليه مخالفة القاعدة الشرعية ، وهي اعتقاد وجوب النكاح لأجل ذمه على تركه ، والذم على الترك من خصائص الوجوب ، وإن تسلط على مجموع الجملتين يقيد الجملة الجمعية ، لزم عليه مخالفة القاعدة الشرعية ، وهي اعتقاد وجوب النكاح لأجل ذمهم إن كان كون الثاني منصوبا فنحذف النون ، مثل : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، وأجاب ابن عرفة : باختيار الأول ، ويكون الذم على ترك وطء الأزواج التي انعقد عليهن النكاح ؛ لأن ذلك يصير حقا لهن عليهم فهي واجب ، ونقول : بأن النكاح كان واجبا عليهم ، لأنهم تركوه وهم واجدون الطول ، قادرون على تزويج الحرام وقد وقعوا في الزنا واللواط ، وإما بأن نقول تسلط الإنكار على الجملة الأولى فقط ، وهو أحد وجهين :
الرفع : من جواب الاستفهام أنه على الاستئناف ، لكن فيه حذف الجملة الخبرية على الطلبية ، وهو ممتنع عند أهل علم البيان ، وأجازه جماعة من النحويين ، قال ابن أبي الربيع : والصحيح منعه ، قلت : هذا الجواب مجموع من كلام شيخنا ابن عرفة ، وصاحبنا ابن القصار.
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ).
قال ابن عرفة : إنما هو في الخبر ومتعلقه هنا أمرا ، لكن الجواب أن تكذيبهم له في دعوى الرسالة يستلزم عدم اشتمالهم أمره.
قوله تعالى : (ناقَةٌ لَها شِرْبٌ).
فيه الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، أي لها شرب يوم معلوم ، ولكم شرب يوم معلوم.