الجواب هنا عكس الجواب هناك ، وهو أن تلك الآية خرجت مخرج التشديد على الهدهد ، وهذه خرجت مخرج التلطف ببلقيس أنه هنا بمجرد كذبت واحدة يحصل في ملأ الكاذبين ، والجواب هنا : أي في هذه العبارة رفق بها وتلطف ، قال : لأن الحكم إذا كان موقوفا على أمرين متفاوتين ، فإن كان جانب الذم فيها أشد وأرجح يحصل منها مطلق اهتداء ويتصف بأقبح ما يكون ، فخرجت هذه الآية مخرج التلطف والتخفيف عليها.
قوله تعالى : (قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ).
ولم يقل : هذا عرشك.
قال الزمخشري : لئلا يكون تلقينا وتفهيما وقال ابن عرفة : بل هو إشارة إلى أن السؤال عن مثل الشيء أخف على المسئول من السؤال عن ذات الشيء نفسه ؛ لأنه أقرب إلى المعرفة ، فيجد كثيرا من يقول : هذا مثل زيد ، ولا يجد من يقول : هو زيد [...].
قوله تعالى : (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ).
انظر هل المعنى كان هذا هو عرشي أو كان عرشي هو ، هذا الظاهر الثاني لمشاكلة السؤال ؛ لأن المعنى أعرشك مثل هذا؟ قالت : كان عرشي مثله.
قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ).
قال ابن عرفة : السؤال بالهمزة عن ذات الفعل ، والسؤال بقوله : لم عن علة الفعل وسببه ، فما السر في العدول عن الهمزة إلى اللام؟ وأجاب بأنه تقدم.
قوله تعالى : (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ).
ومن تصب نفسه منصب المخاصمة ، فهو عارف بالحجة ، لذلك سألهم عن علة الاستعجال ودليله لا عن نفسه.
قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ).
أي تعلمون أنها فاحشة.
وقال الفخر : العالم لا تصدر منه معصية أصلا ، فإذا عصى فهو جاهل ؛ لأنه يرجح المرجوح ، وترجيح المرجوح جهل ، فلذلك قال لهم لوط عليهالسلام (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ، قال : والإطناب ببل إضراب انتقال ، والانتقال في باب الذم ، إنما يكون على أمر خفيف إلى ما هو أشد منه ، وقدر بعضهم الأشدية هنا بأن الضرب عنه رافع