إما أن يراد الصائر إلى الإيمان كما قال الزمخشري ، في قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة : ٢] ، وهو هدى للمؤمنين حقيقة باعتبار انتقالهم به من مقام إلى مقام أعلى منه.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ).
قال الزمخشري : أي بعدله ، وليس المراد الحكم ؛ لأنه لا يقال : يضرب بضربة.
قال ابن عرفة : الإضافة إلى الضمير يرفع هذا [٥٩ / ٢٨٥] الإشكال ، أي بحكمه اللائق به ، كما قال تعالى في (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [سورة الزلزلة : ١] ، وكذلك (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [سورة محمد : ٢٤].
قوله تعالى : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).
أي العزيز الذي لا يمانع ولا يدرى وجه حكمه ، العليم بخفيات الأمور.
قوله تعالى : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ).
التوكل هو استحضار الحاضر ونسبة الحوادث كلها إلى الله عزوجل ، ونقل بعض الطلبة عن بعضهم : أن التوكل هو الوثوق بالمظنون ، وترك الحركة والأمثال على السكون.
ابن عرفة : والأول أصوب وهو قسمان : ابتدائي وانتهائي فبدئه لا ينافي الأسباب العادية ، ومنتهاه وهو الطريق الموصوفة ينافي الاشتغال بالأسباب العادية.
ابن عرفة : وعطفه بالفاء لإفادة السببية ، إشارة إلى أنه لما كان طريق الإيمان لا يمانع ولا يناط بحكمه أمر بالتوكل على الله والتفويض إليه في الأمور ، ويحتمل أن يقال لما تقدم.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ).
عقبه بما يفيد إفراده والاعتماد عليه في الأمور ، فالذي يفيد انفراده بذلك ، هو قوله تعالى : (الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) ، وهذه تفيد الاعتماد عليه في الأمور ، قال بعضهم : وحاسة السمع أشرف من حاسة البصر ، بدليل أنها لم يسلبها نبي بخلاف البصر ، فإن قيل : ما أفاد قوله تعالى : (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ، قلنا : الأصم إذا كان فبأولئك يشير إليه فيهم عنك بالإشارة ، بخلاف ما إذا صيرك خلفه ، فإنه لا يسمع ولا يرى ، فوصف الكفار بأقبح صفات المخالفة ، وعدم الانقياد إلى الحق ، فلا يلزم منه أن يقال : نهى