قوله تعالى : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً).
ابن عطية : فيه دليل على تحريم الأخذ للأجرة على مثل هذا انتهى ، يرد بأن الآية اقتضت مدح تاركها لا ذم آخذها.
قوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
يراد بالعبادة إما الاعتقاد القلبي والإنابة ، أو العمل والطاعة ، فيكون فيه [٦٣ / ٣٠٦] حجة للمعتزلة القائلين : بأن شكر المنعم واجب لاقتضاء الآية ، أن الاختصاص بالخلق والإعادة موجب للعبادة بالفعل ، إلا أن يجاب : بأن الآية إنما اقتضت تكميل العبادة ، وأن موجب العبادة كان عنده مستفادا بالسمع من شرع الأمم السالفة قبله ، وأتى هذا على سبيل التكميل لذلك ، لا أنه مستقل بالوجوب واقتضت الآية الاستدلال بالوحدانية والمعاد أما الوحدانية فأمر عقلي ، وأما المعاد فنحن نقول بجوازه من جهة العقل ، ووقوعه من جهة السمع ، والذي بقاعدة التحسين والتقبيح هو عنده واقع عقلا ، وفي الآية دليل له ؛ لأنه جعل الحق كالدليل على الإعادة ، لأنه رتبها عليه وأتى بها بعده ، والوحدانية تقرر أن دلالة المعجزة لا تتوقف.
قلنا : عند الأكثر ، بل على مجرد وجود الصانع ، فالوحدانية يصح استفادتها من السمع ، قيل : لو أتت الآية على أسلوب واحد ، وما لكم لا تعبدون الذي فطركم ، فلم عدل عن ذلك مع أن معلوم اتصافه بالعبادة ، فلا تحتاج إلى أنه يخبر بها؟ أجيب : أنه إشارة بإلى أنه لم يأمرهم إلا بما فعله هو في خاصة نفسه ، ويحتمل أن يكون في الآية حذف التقابل أي (الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
قوله تعالى : (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ).
فيه المبالغة في عجزهم من وجهين :
الأول : لفظ (الرَّحْمنُ) ، أي إذا عجزوا عن دفع الضر الواقع ممن هو في مقام الرحمة فأحرى ،
الثاني : تنكير (بِضُرٍّ) للتنكير.
قوله تعالى : (وَلا يُنْقِذُونِ).
الإنقاذ أعم من إغناء الشفاعة ؛ لأنه لا يكون بالمحاربة وغيرها ، فنفيه أخص فهو من عطف الأخص على الأعم.