قال شيخنا : هذا لا يفيده جوابا وترجيحا ، وحقه أن يبطله بقولهم : أن الفعل تابع للفاعل في تذكيره وتأنيثه ما لم يفصل بينما بإلا ، فحينئذ لا يجوز التأنيث إلا في شاذ كقوله :
وما بقيت إلا الضلوع الجواشع
قال وكنت رأيت نقدا على المعري لابن الصائغ ، لما ذكر فيه قول ابن عصفور في الفاعل : إذا فصل بينه وبين الفعل فليس إلا التذكير ، قال : ولم تكن جوابا عن سؤال ، كقولك لمن قال : من قام من النساء ، فتقول : ما قامت إلا هند ، قال شيخنا : ويحسن أن يجاب هنا بذلك ، فيقال : إن الآية جواب عن سؤال مقدر ، فكأن قائلا يقول : فكيف كانت أخذتهم؟ فقيل له : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً) ، أي إن كانت الآخذة إلا صيحة واحدة.
قيل لابن عصفور : إن ينازع في ذلك ولا يسلمه ، فقال : كلام الزمخشري هنا يقتضيه بدليل قوله ؛ لأن المعنى مما وقع من (إِلَّا صَيْحَةً) فقدر الفاعل مذكرا فإذا تقدم عليه السؤال مؤنثا كان يعتبر مؤنثا.
قوله تعالى : (يا حَسْرَةً).
ابن عطية : فسر بعضهم قراءة التنوين بأن الحسرة من العباد أنفسهم وهو بعيد ، انتهى ، وجه بعده أن التنوين ظاهره أن الحسرة منكرة ليست منهم ، بل من غيرهم يتحسر عليهم ، ولو كانت منهم لآتى بها مضافة دون تنوين ، وأتى لفظ العباد هنا على خلاف الأصل ؛ لأن غالب استعماله في الطائعين ، وجاء هنا في الفاسقين ، لكنه غير مضاف ، ولا يقال في الفاسقين عباد الله.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا).
هذه الآية وعظ وتخويف وأمر نظري استدلالي.
الزمخشري : (أَلَمْ يَرَوْا) ، ألم يعلموا أو هو معلق ، لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها ، كانت للاستفهام أم للخبر ؛ لأن أصلها للاستفهام.
ورد أبو حيان الأول بأنه قد يدخل حرف الجر ، فتقول على كم جذع بك وبكم درهم اشتريت ثوبك ، انتهى ، هذا لا يليق به ؛ لأن حرف الجر ليس بعامل ، ألا تراهم يقولون : ما العامل في هذا المجرور وبماذا يتعلق؟ وبدليل صحة دخول حرف الجر على ما الاستفهامية ، يحذف منها الألف وما ذاك إلا لأنه ليس بعارض حقيقة.