ورد أبو حيان الثاني : بأنها ليس أصلها الاستفهامية ، ولا يحمل عليها بوجه ، وأجاب : بأنه إن كان أراد الزمخشري جعلها مأخوذة منها لا قد مقتطع من فلان فهو لا يقوله الزمخشري بوجه ، وإن أراد أنها محمولة عليها فهذا صحيح.
قال شيخنا : وقد كان بعض الناس يلغي على كتاب سيبويه من ناحية أنه جمع بين النحو والأصول ؛ لأنه نص فيه على قياس الشبه ، إذ جعل كم الخبرية محمولة على كم الاستفهامية ، وهذا هو قياس الشبه.
وذكر أبو حيان في إعراب الآية ستة أوجه ، فنقل عن الزمخشري أنه قال : (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) ، بدل من كم على المعنى لا على اللفظ ، أي أولم تروا كثرة إهلاكنا القرون كونهم أنهم غير راجعين.
ورده أبو حيان وقال : لا يصح أن يكون بدلا على اللفظ ولا على المعنى ، أما على اللفظ فلأنه زعم أن يروا مصلحة فتكون كم استفهاما معمولا لأهلكنا ، وأهلكنا لا يتسلط على أنهم (لا يَرْجِعُونَ) ، وأما على المعنى [٦٣ / ٣٠٨] ؛ فلأنه قدره أولم تروا كثرة إهلاكنا القرون قبلهم ، كونهم غير راجعين إليهم ، فكونهم غير كذا ليس كثرة الإهلاك ، فلا يكون بدل كل من كل ، ولا بدل بعض من كل ، ولا بدل اشتمال ؛ لأن بدل الاشتمال يصح أن يضاف إلى ما أبدل منه ، فقول : أعجبتني الجارية فلا حياء ، فيصح أعجبتني فلاحة الجارية ، فكذا بدل البعض ، ولا يصح هنا ألم يروا انتفاع رجوع هلاكنا ، انتهى كلامه ، وهو قصور.
وقد ذكر سيبويه في باب ما يكون فيه أن بدلا من شيء غير الأول متصلا بقوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) [سورة الأنفال : ٨] ، وبقوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ).
قال ابن خروف في شرحه : يريد أنه بدل من المعنى ، كقولك : عرفت زيد أبو من هو ، أي عرفت كنية زيد أبو من هو ، وكذلك هذا بدل من المعنى ، انتهى ، ومعنى ما قال الزمخشري ؛ لأن عدم الرجوع هو بمعنى الإهلاك والكون ، فيصدق على الكثرة وعدمها ، وهو لا ينافي الكثرة فيصح الله بدل شيء من شيء ، وبدليل قول الزمخشري في الوجه الذي بعده ، والبدل على هذه القراءة بدل اشتمال ، ويظهر من كلامه أن تمثيله بألم يروا كثرة إهلاكنا تشمل معنى لا تشمل إعراب ، وليس مراده البدل على هذا المعنى قيل : بدل الاشتمال يشترك على تفسير الإعراب ، وهم ألم تروا كثرة إهلاكنا ، وهذا يصح إضافته إذ يصح أن تقول : ألم يروا انتفاء رجوع كثير أهلكنا على أن شرط