الآية ، فيكون عذابا في عذاب ؛ وجعل الناس كأنهم علموا أولا أشياء ثم نسوها ، فضرب الأمثال ؛ ومن كلامه في سورة الزمر (١) ، قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً) [سورة الزمر : ١١] ، وجه مناسبتها لما قبلها ؛ أن الاشتراك في الأمر المشق المؤلم أهون على النفوس من الاختصاص به ، كمن ضاع له دينار ولم يضع لغيره شيء ، وآخر ضاع له ولغيره ، وكذلك فعل الطاقات.
قال : ووقوعنا من بئس القوم ابتداء أقرب إلى الإنذار به فيها والإتباع ، فلذلك قال (أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً) ، ثم قال (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ).
قال الزمخشري : يعني أن الله تعالى أمرني أن أخلص له الدين بدليل العقل والسمع ، فإن عصيت ديني لمخالفة الدليلين استوجبت عذابه.
قيل لابن عرفة : هذا اعتزال ، فقال : هذا تنبيه يصدر من السني والمعتزلي ، فالمجرور في قوله بدليلي العقل تعلق بالفعل ، وهو أمرني وهو اعتزال ، وإن تعلق بقوله : أخلص فليس باعتزال ، قيل له : قد نص الضرر في أرجوزته على اعتقاد وحدانية الإله واجبة بالعقل والفروع ، والشرائع هي الواجبة بالسمع ، لأنه قال : ما نصه فخالق الأشياء وجداني ، وشاهد العقل بذلك يشهده.
قال ابن عرفة : هذا خطأ لأن الأصوليين حكموا الخلاف في النظر ؛ فذهب أهل السنة أنه واجب بالسمع ، [٦٥ / ٣١٨] ومذهب أهل المعتزلة أنه واجب بالعقل على أن كلام المفسرين يمكن تأويله ، فيحتمل أنه يريد به قصر معرفة ذلك في الدليل والإدراك ، أو رجوعه إلى الأمر التكليفي.
قيل له : ما عمله شارحه ابن خليل في شرحه : أن السلطان وأميره إذا دعا إلى معصية ؛ فإنه يجب إتباعه ، قال : وهذا خطأ طرح ؛ وحدث مسلم في كتاب الإعادة يرد عليه.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ،).
أي الخسران الأخص ، أي خسروا لذة أنفسهم ونعم أنفسهم ؛ لأن خسران الشيء هو ضياعه ، وأنفسهم لم تزل باقية.
قوله تعالى : (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ).
__________________
(١) وردت في المخطوطة : سورة الزخرف ، ولكنها الآية الموجودة في سورة الزمر قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً ، وقد أثبتنا الصحيح.