ولم يقل : وجوههم ؛ إشارة إلى عظمته وتعدي دخانه للغير بحيث يخرج عنهم ، ويكاد يشوي وجوه غيرهم معهم.
قوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ).
إما أن لكل واحد جنات ، أو على الجمع على سبيل التوزيع ؛ فلكل واحد جنة ؛ فإن قلت : هلا قيل لهم : جنات عدن ، ويستغنى عن لفظ (أُولئِكَ) فالجواب : إن فيه زيادة تأكيد وتعظيم لهم ؛ ولذلك أتى فيه بلفظ البعيد ، كما قالت زليخا : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [سورة يوسف : ٣٢].
قوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ).
قال بعضهم : سميت عدنا لوجهين :
إما لأنها من عدن بالمكان إذا أقيم به فهي دار إقامة والدنيا دار رحيل وائتمان.
وإما أن كل نعيم وإذ لم يمل ؛ فهي إشارة إلى أن أهلها يقيمون عليها محبون فيها لا يملون منها بوجه.
قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً).
قدم التحلية على اللباس مع أن الحاجة إلى اللباس أقوى من الحاجة إلى التحلية ، فالتحلية أمر تكميلي ، واللباس حاجي فهو أهم ، وقال في سورة الإنسان (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) [سورة الإنسان : ٢١] فقدم اللباس على التحلية ، قال : وعادتهم يجيبون بأن التحلية هنا بالذهب أمر تكميلي ؛ فقدمت على اللباس تنبيها على أنه أيضا أمر تكميلي زائد على اللباس الحاجي ، وقدم في سورة الإنسان الحاجي وعطف على التحلية ، فهي أيضا أمر حاجي لأنها بالفضة ، فهي أقل ما يتحلى به ، والتحلية بالذهب أمر زائد عليه تكميلي.
قوله تعالى : (ثِياباً خُضْراً).
أخذ منه أن الخضرة أحسن الألوان لأنها وسط بين السواد والبياض ، والسواد مجمع للبصر مع أنه يحدث انقباضا في النفس ، والبياض مفرق للبصر مع أنه يؤثر انبساطا وسرورا في النفس ، وأجيب بأن الخضرة أحسن الألوان المغيرة بالصباغ ، وأما البياض فهو أحسن الألوان ، والسندس بارق من الحرير ، وأما الإستبرق فأغلظ منه ، فإن قلت : الإستبرق دون الحرير ؛ بدليل قوله تعالى في سورة الرحمن : (مُتَّكِئِينَ عَلى