فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) [سورة الرحمن : ٥٤] فجعله بطانة ، فالجواب : أن الإستبراق فيه الأرفع والأدنى ، فجعل بطانة وأرفعه شبيه بالسندس.
فإن قلت : لم قال : (يُحَلَّوْنَ) فحذف الفاعل وبناه للمفعول ، وقال : (وَيَلْبَسُونَ) ولم يحذف الفاعل؟ فالجواب : أن اللباس ساتر للعورة فيلبسه الإنسان منفعة خشية التكلف على عورته ، والتحلية ليس فيها كشف عورة فلا يتكلف استعمالها بيده ؛ بل يستنيب من يكفيه مؤنتها ويزوجه منها ، وتقدم عنه توجيها ، وقال تعالى في سورة الحج (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) [سورة الحج : ١٤] وقرئ (وَلُؤْلُؤاً) بالخفض ؛ فتكون الإشارة على هذا من ذهب وفضة ولؤلؤ.
قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ).
ابن عرفة : قالوا القاعدة في مثل هذا أن يقال : واذكر لهم قصة رجلين ؛ لأن هذا من باب الإخبار عن الواقع ، وأجيب بأن ضرب المثل فيه بالفعل والانفعال والأثر ؛ لأن الضرب أمر حسن ، فكان هذا المذكور ينفي أثرا من التذكر والموعظة بمن جرى له [٥١ / ٢٣٤ و] ذلك.
قيل لابن عرفة : أو يكون قياسا تمثيليا.
قال بعض الطلبة : قدم في الآية السبب على مسببه ؛ لأن المناسب في خروج الثمرة ، فهلا قيل (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) وفي خلالهما ثمرا (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها).
قيل لابن عرفة : وقوله (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) مستغنى عنه ؛ لأنه مجرد تأكيد ؛ لأن معنى الإضافة في قوله (آتَتْ أُكُلَها) تقتضي بها ؛ كقوله تعالى : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [سورة محمد : ٢٤] ، (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [سورة الزلزلة : ١].
قيل لابن عرفة : (وَجَعَلْنا) بمعنى صيرنا أو بمعنى خلقنا ؛ فإن كانت بمعنى خلقنا فيكون هو أنشأهما واخترعهما ، وإن كانت بمعنى صيرنا فيحتمل أن يكون أنشأهما غيره واشتراهما هو منه ، والآية دالة على أن العنب أفضل الفواكه ؛ لأنه بدأ به وكان أكثر غرس الجنتين.
قوله تعالى : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ).