الإجابة ويؤذيا إن حصل منهما التراخي (١) أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد. ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود ولا يضارر بفتح الراء الأولى ، وصيغة المفاعلة تدل على اعتبار الأمرين جميعا (وَإِنْ تَفْعَلُوا) ما نهيتم عنه من المضارة (فَإِنَّهُ) : أي فعلكم هذا (فُسُوقٌ) : أي خروج عن الطاعة إلى المعصية متلبس (بِكُمْ).
[الآية الثامنة والخمسون]
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)).
لما ذكر سبحانه مشروعية الكتاب والإشهاد لحفظ الأموال ودفع الريب عقب ذلك بذكر حالة العذر عن وجود الكاتب ونص على حالة السفر فإنها من جملة أصحاب العذر ؛ ويلحق بذلك كل عذر يقوم مقام السفر وجعل البرهان المقبوضة قائمة مقام الكتابة : أي فإن كنتم مسافرين (وَلَمْ تَجِدُوا) كاتبا في سفركم (فَرِهانٌ) : قال أهل العلم : الرهن في السفر ثابت بنص التنزيل ، وفي الحضر بفعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما ثبت في الصحيحين أنه رهن درعا له عند يهودي (٢) ؛ وذهب الجمهور إلى اعتبار القبض ، كما أفاده قوله (مَقْبُوضَةٌ). وذهب مالك إلى أنه يصح الارتهان بالإيجاب والقبول من دون قبض.
(وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) : نهي للشهود أن يكتموا ما تحملوه من الشهادة إذا دعوا لإقامتها وهو في حكم التفسير لقوله : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ) أي لا يضار بكسر الراء الأولى على أحد التفسيرين المتقدمين (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) خص القلب بالذكر لأن الكتم من أفعاله ، ولكونه رئيس الأعضاء وهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله ، وإن فسدت فسد كله.
وإسناد الفعل إلى الجارحة التي تعمله أبلغ ، وهو صريح في مؤاخذة الشخص
__________________
(١) جاء في المطبوع [التراض] وهو خطأ والتصحيح من فتح القدير [١ / ٣٠٣].
(٢) أخرجه مسلم في الصحيح ح [١٦٠٣] والبخاري في الصحيح [٥ / ١٤٢]. ح [٢٥٠٩].