وفي قوله : (فَلا تَكْفُرْ) أبلغ إنذارا وأعظم تحذيرا : أي أن هذا ذنب يكون من فعله كافرا فلا تكفر. وفيه دليل على أن تعلم السحر كفر ؛ وظاهره عدم الفرق بين المعتقد وغير المعتقد ، وبين من تعلّمه ليكون ساحرا ومن تعلّمه ليقدر على دفعه.
وفي إسناد التفريق إلى السّحرة وجعل السّحر سببا لذلك ، دليل على أن للسحر تأثيرا في التلوث بالحب والبغض ، والجمع والفرقة ، والقرب والبعد.
وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر الله من التفرقة ؛ لأن الله تعالى ذكر ذلك في معرض الذم للسّحر ؛ وبين ما هي الغاية في تعليمه فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره.
وقالت طائفة أخرى : إن ذلك خرج مخرج الأغلب ؛ وأن السّاحر يقدر على غير ذلك المنصوص عليه أيضا.
وقيل : ليس للسّحر تأثير في نفسه أصلا ، لقوله : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
والحق أنه لا تنافي بين قوله : (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) وبين قوله : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيرا في نفسه ولكنه لا يؤثر ضررا إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه.
وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيرا في نفسه وحقيقة ثابتة ؛ ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة (١) كما تقدم.
وفي قوله : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) تصريح بأن السحر لا يعود على صاحبه بفائدة ولا يجلب إليه منفعة ؛ بل هو ضرر محض وخسران بحت» (٢).
قال أبو السعود : فيه أن الاجتناب عما لا تؤمن غوائله خير : كتعلم الفلسفة التي لا يؤمن أن تجر إلى الغواية. انتهى.
والمراد بالشراء هنا الاستبدال ، أي من استبدل ما تتلو الشياطين على كتاب الله.
__________________
(١) قال ابن هبيرة : وأجمعوا على أن السحر له حقيقة ، إلا أبا حنيفة فإنه قال : لا حقيقة له عنده. انظر ، الإفصاح لابن هبيرة [٢ / ١٨٥].
(٢) انظر فتح القدير [١ / ١٢٠ ـ ١٢١].