الخدري وأبو قلابة ومكحول والزهري : المراد بالمحصنات هنا : المسبيات ذوات الأزواج خاصة ، أي هنّ محرّمات عليكم (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) بالسبي من أرض الحرب ، فإن تلك حلال ، وإن كان لها زوج. وهو قول الشافعي : أي أن السبي يقطع العصمة ؛ وبه قال ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
واختلفوا في استبرائها بماذا يكون؟ كما هو مدوّن في كتب الفروع.
وقالت طائفة : المحصنات في هذه الآية العفائف ، وبه قال أبو العالية وعبيدة السلماني وطاووس وسعيد بن جبير وعطاء ، رواه عبيدة عن عمر. ومعنى الآية عندهم : كل النساء حرام إلا ما ملكت أيمانكم ، أي تملكون عصمتهنّ بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء. وحكى ابن جرير الطبري أن رجلا قال لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال : كان ابن عباس لا يعلمها. وروى ابن جرير أيضا عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل. انتهى.
ومعنى الآية ـ والله أعلم ـ واضح لا سترة به : أي وحرمت عليكم المحصنات من النساء : أي المزوجات ، أعمّ من أن يكنّ مسلمات أو كافرات إلا ما ملكت أيمانكم منهنّ. أما بالسبي فإنها تحلّ ولو كانت ذات زوج ، أو شراء فإنها تحلّ ولو كانت متزوجة. وينفسخ النكاح الذي كان عليها لخروجها عن ملك سيدها الذي زوجها ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) منصوب على المصدرية : أي كتب الله ذلك كتابا.
وقال الزجاج والكوفيون : [إنه منصوب] (١) على الإغراء ، أي الزموا [كتاب الله] (٢). وهو إشارة إلى التحريم المذكور في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) إلخ. (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) : وفيه دليل على أنه يحل لهم نكاح ما سوى المذكورات ، وهذا عام مخصوص بما صح عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها.
__________________
(١) ما بين المعكوفين من فتح القدير [١ / ٤٤٩] والقرطبي في التفسير [٥ / ١٢٤].
(٢) ما بين المعكوفين من فتح القدير [١ / ٤٤٩].