وغاية ما يقال في هذا أنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز بتأويل مشهور.
وقال ابن جرير (١) بعد حكايته للقولين : والأولى قول من قال : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) : إلا مجتازي طريق فيه ، وذلك أنه قد بيّن حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ، فكان معلوما بذلك أن قوله : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ، لو كان معنيّا به المسافر ، لم يكن لإعادة ذكره ـ في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) ـ معنى مفهوما ، وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك. فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الآية : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل.
قال وعابر السبيل : المجتازه (٢) مرا وقطعا. يقال منه : عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا ، ومنه [قيل] (٣) : عبر فلان النهر إذا قطعه وجاوزه.
قال ابن كثير (٤) : وهذا الذي نصره ـ يعني ابن جرير ـ هو قول الجمهور ، وهو الظاهر من الآية. انتهى. (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) : غاية للنهي عن قربان الصلاة أو مواضعها حال الجنابة ، والمعنى : لا تقربوه حال الجنابة حتى تغتسلوا إلا حال عبوركم السبيل.
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) : المرضى عبارة عن خروج البدن عن حدّ الاعتدال والاعتياد إلى الاعوجاج والشذوذ. وهو على ضربين ، كثير ويسير.
والمراد هنا أن يخاف على نفسه التلف أو الضرر باستعمال الماء ، أو كان ضعيفا في بدنه لا يقدر على الوصول إلى موضع الماء.
وروي عن الحسن أنه يتطهر وإن مات ، وهذا باطل يدفعه قوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). وقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ). (أَوْ عَلى سَفَرٍ) : فيه جواز التيمم لمن صدق عليه اسم المسافر. والخلاف مبسوط في كتب الفقه.
__________________
(١) تفسير ابن جرير [٤ / ١٠٢].
(٢) جاء في المطبوع [المجتاز] والتصحيح من تفسير الطبري [٤ / ١٠٢].
(٣) ما بين المعكوفين من تفسير الطبري [٤ / ١٠٢].
(٤) تفسير ابن كثير [١ / ٤٧٦].