على كثير من أحكام الشرع ، لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس في جميع الأمانات. وقد روي عن علي وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب أنها خطاب لولاة المسلمين والأول أظهر ، وورودها على سبب لا ينافي ما فيها من العموم ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول ، بل قال الواحدي : أجمع المفسرون على ذلك.
ويدخل الولاة في هذا الخطاب دخولا أوليا فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات ورد الظلامات وتحرّي العدل في أحكامهم. ويدخل غيرهم من الناس في الخطاب فيجب عليهم ردّ ما لديهم من الأمانات والتحري في الشهادات والأخبار.
وممن قال بعموم هذا الخطاب : البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبيّ بن كعب ، واختاره جمهور المفسرين ومنهم ابن جرير ، وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها : الأبرار منهم والفجار كما قال ابن المنذر.
والأمانات جمع أمانة وهي مصدر بمعنى المفعول.
(وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) : هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا الحكم بالرأي المجرد ، فإن ذلك ليس من الحق في شيء إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله ، فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم حكم الله سبحانه ، وما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص.
وأما الحاكم الذي لا يدري بحكم الله ورسوله ولا بما هو أقرب إليهما فلا يدري ما هو العدل ، لأنه لا يعقل الحجة إذا جاءته فضلا عن أن يحكم بها بين عباد الله ، وقد أفاد الإمام الرباني محمد بن علي الشوكاني في مختصره حيث قال في كتاب القضاء : إنما يصح قضاء من كان مجتهدا متورعا عن أموال الناس عادلا في القضية حاكما بالسوية. انتهى.
وقال في شرحه : أما كونه إنما يصح قضاء من كان مجتهدا فلما في الكتاب العزيز من الأمر بالقضاء بالعدل والقسط وبما أراد الله. ولا يعرف ذلك إلا مجتهدا لأن المقلد إنما يعرف قول إمامه دون حجته ، وهكذا لا يحكم بما أراه الله إلا من كان مجتهدا ، لا من كان مقلدا فما أراه الله شيئا بل أراه إمامه ما يختاره لنفسه.
ومما يدل على اعتبار الاجتهاد حديث بريدة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ،