فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم ، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء. ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء وكان الناس كلهم لهم تبعا كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين وفساده بفسادهما ، كما قال عبد الله بن المبارك وغيره من السلف : صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس ، قيل : من هم؟ قال : الملوك والعلماء (١).
رأيت الذنوب تميت القلوب |
|
وقد يورث الذل إدمانها (٢) |
وترك الذنوب حياة القلوب |
|
وخير لنفسك عصيانها |
وهل أفسد الدين إلا الملوك |
|
وأحبار سوء ورهبانها |
انتهى كلامه.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس في قوله تعالى هذا قال : «نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في سرية» (٣) وقصته معروفة.
قال ابن القيم (٤) : وقد أخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الذين أرادوا دخول النار لما أمرهم أميرهم بدخولها «أنّهم لو دخلوا لما خرجوا منها» مع أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعة لأميرهم ، وظنا أن ذلك واجب عليهم ، ولكن لما قصّروا في الاجتهاد وبادروا إلى طاعة من أمر بمعصية (٥) الله وحملوا عموم الأمر بالطاعة بما لم يرده الآمر ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وما قد علم من دينه إرادة خلافه ، فقصروا في الاجتهاد وأقدموا على تعذيب أنفسهم وإهلاكها من غير تثبّت وتبيّن هل ذلك طاعة لله ورسوله أم لا؟ فما الظن بمن أطاع غيره في صريح مخالفة ما بعث الله به رسوله. انتهى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء في الآية قال : طاعة الله والرسول ، اتباع الكتاب والسنة. (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال : أولوا الفقه والعلم : وليعلم أنه لا يصح استدلال المقلدة بهذه الآية لأن المراد بها الأئمة كما ثبت عن غير واحد ، ولو
__________________
(١) جاء في المطبوع [الأمراء] وهو خطأ والتصحيح من أعلام الموقعين [١ / ١٠].
(٢) جاء في المطبوع [ايهانها] وهو خطأ والتصحيح من أعلام الموقعين [١ / ١٠].
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح [٨ / ٢٥٢] ح [٤٥٨٤] ومسلم في الصحيح ح [١٨٣٤].
(٤) أعلام الموقعين [١ / ٤٨].
(٥) جاء في المطبوع [في معصية] والتصحيح من أعلام الموقعين [١ / ٤٨].