قال الشوكاني في «فتح القدير» (١) : وما أنفع هذه الآية ، وأجل فائدتها لمن كان من الحاملين لحجج الله ، المتصدين لبيانها للناس ، إذا كان بين قوم من الصم البكم الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه ، وتركوا غيره من المعروف ، وإذا نهاهم عن منكر فعلوه ، وفعلوا غيره من المنكرات ، عنادا للحق ، وبغضا لاتباع المحقين ، وجرأة على الله ، فإن هؤلاء لا يؤثر فيهم إلا السيف ، وهو الحكم العدل لمن عاند الشريعة المطهرة ، وجعل المخالفة لها ، والتجرؤ على أهلها ديدنه ، وهجيراه ؛ كما يشاهد ذلك في أهل البدع إذا دعوا إلى حق وقعوا في كثير من الباطل ، وإذا أرشدوا إلى السنة قابلوها بما لديهم من البدعة! فهؤلاء هم المتلاعبون بالدين ، المتهاونون بالشرائع ، وهم أشر من الزنادقة ، لأنهم يحتجون بالباطل ، وينتمون إلى البدع ، ويتظاهرون بذلك غير خائفين ولا وجلين.
والزنادقة قد ألجمتهم سيوف الإسلام ، وتحاماهم أهله ، وقد ينفق كيدهم ، ويتم باطلهم وكفرهم ، نادرا على ضعيف من ضعفاء المسلمين ، مع تكتم وتحرز وخيفة ووجل. انتهى.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الآية محكمة ثابتة ، غير منسوخة ، وهي أصل في سد الذرائع ، وقطع التطرق إلى الشبه.
وقوله : (عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨)) منصوب على الحال ، أو على المصدر ، أو على أنه مفعول له.
[الآيتان : الثانية والثالثة]
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩)).
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) : قيل إنها نزلت في سبب خاص ، كما أخرج أبو داود والترمذي وحسنه ، والبزار وغيرهم ، عن ابن عباس قال : جاءت اليهود إلى
__________________
(١) انظره في (٢ / ١٥٠).