(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) أمرهم الله سبحانه بالاستماع للقرآن ، والإنصات له عند قراءته ، لينتفعوا به ، ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح.
قيل : هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام ؛ وقيل : هذا خاص بقراءة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للقرآن دون غيره! ولا وجه لذلك ، مع أن اللفظ أوسع من هذا ، والعام لا يقصر على سببه ؛ فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة ، وعلى أي صفة ، مما يجب على السامع ، إلا ما استثنى الذي أنزل عليه القرآن صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كقراءة المأموم الفاتحة خلف إمامه سرا وجهرا ، فإنه قد صح في ذلك أخبار شهيرة واضحة ، وآثار كثيرة فائحة ، توجب تأكد قراءة فاتحة الكتاب ، ولزومها للمقتدي ، بل صرح غير واحد من أئمة الفقه والحديث المعتبرين بكون ذلك مذهب أكثر الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
ولم يصح أثر ، فضلا عن خبر ، صريح في النهي عن الفاتحة خاصة ، وإن استدل جماعة من أهل العلم بالعمومات الواردة فلينصف.
ولقد فصلت المرام بعون الله في «مسك الختام» و «الروضة الندية» (١) و «هداية السائل إلى أدلة المسائل» وفيه «إعلام الأعلام بقراءة الفاتحة خلف الإمام» لبعض الأحباب لنا ، وهي مختصر نفيس (٢).
(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)) : أي تنالون الرحمة ، وتفوزون بها ، بامتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
[الآية الخامسة]
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)).
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) : أمره الله سبحانه أن يذكره في نفسه ، فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص ، وأدعى للقبول.
__________________
(١) انظر تفصيل كلامه رحمهالله في «الروضة الندية» ، (١ / ٨٧ ، ٨٩) ونقل قول ابن قيم في أعلام الموقعين : «وردت النصوص المحكمة الصريحة الصحيحة في تعيين قراءة الفاتحة ...».
(٢) انظر : الطبري (٩ / ١٦٤) ، ابن كثير (٣ / ٥٤١) ، الدر المنثور (٣ / ١٥٦) ، وتفسير ابن عطية (٦ / ١٩٦).