[الآيتان : التاسعة والعاشرة]
(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)).
(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) : المراد بالعمارة : إما المعنى الحقيقي الظاهر ، أو المعنى المجازي ، وهو ملازمته والتعبد فيه؟ وكلاهما ليس للمشركين.
أما الأول فلأنه يستلزم المنّة على المسلمين بعمارة مساجدهم.
وأما الثاني : فلكون الكفار لا عبادة لهم مع نهيهم عن قربان المسجد الحرام.
فالمعنى : ما كان للمشركين وما صح لهم وما استقام ، أن يفعلوا ذلك حال كونهم (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) : أي بإظهار ما هو كفر ، من نصب الأوثان ، والعبادة لها ، وجعلها آلهة ، فإن هذا شهادة منهم على أنفسهم بالكفر ، وإن أبوا ذلك بألسنتهم!
فكيف يجمعون بين أمرين متنافيين : عمارة المساجد التي هي من شأن المؤمنين ، والشهادة على أنفسهم بالكفر ، التي ليست من شأن من يتقرب إلى الله بعمارة مساجده؟
وقيل : المراد بهذه الشهادة قولهم في طوافهم : لبيك لا شريك لك لبيك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك (١).
وقيل : شهادتهم على أنفسهم بالكفر ، أن اليهودي يقول : هو يهودي ، والنصراني يقول : هو نصراني ، والصابىء يقول : صابىء ، والمشرك يقول : هو مشرك.
(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) : التي يفتخرون بها ويظنون أنها من أعمال الخير ، أي بطلت ، ولم يبق لها أثر.
(وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧)) : في هذه الجملة الاسمية ، مع تقدم الظرف المتعلق بالخبر ، تأكيدا لمضمونها.
__________________
(١) انظر : الطبري (١٠ / ٦٦) ، وزاد المسير (٣ / ٤٠٨) ، والنكت والعيون (٢ / ١٢٤) ، وتفسير القرطبي (٨ / ٨٩) ، وابن كثير (٢ / ٣٤٠).