قال النحاس : وحكى أهل اللغة جميعا ـ فيما علمنا ـ أن الصلاة في كلام العرب : الدعاء.
(إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) أي ما تسكن إليه النفس ، وتطمئن به.
[الآية السادسة والعشرون]
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣)).
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) : ذكر أهل التفسير أن (ما كان) في القرآن يأتي على وجهين :
الأول : على النفي نحو : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ١٤٥].
والآخر : على معنى النهي نحو : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٥٣] ، و (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية ، فإن القرابة في مثل هذا الحكم لا تأثير لها ، وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار ، وتحريم الاستغفار لهم والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافرا (١).
ولا ينافي هذا ما ثبت عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر المشركون رباعيته وشجوا وجهه : «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (٢) ، لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار للمشركين.
وعلى فرض أنه كان قد بلغه ـ كما يفيده سبب النزول (٣) ـ فإنه قبل يوم أحد بمدة طويلة ، فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدم من الأنبياء ، كما في «صحيح مسلم» عن عبد الله قال : «كأني أنظر إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يحكي نبيا
__________________
(١) انظر : الفتح الرّباني (١٨ / ١٦٤) ، الطبري (١١ / ٣٠) ، النكت (٢ / ١٧٠) ، زاد المسير (٣ / ٥٠٧) ، القرطبي (٣ / ٥٠٩) ، ابن كثير (٢ / ٣٩٣) ، اللباب (١٢٦) ، الدر المنثور (٣ / ١٨٢).
(٢) انظر تخريجه فيما بعده.
(٣) حديث صحيح : رواه البخاري (٨ / ٣٤١) ، ومسلم (٢٤) ، وابن أبي حاتم (٤ / ١٠٢) ، والأسماء والصفات (ص ٩٧ ، ٩٨) ، والطبري (١١ / ٤١) عن سعيد بن المسيّب عن أبيه فذكر الحديث.