لطلب العلم ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو ، أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذي يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين (١).
(وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) : عطف علة ، ففيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم الاستقامة وتبليغ الشريعة ، لا الترفع على العباد والتبسط في البلاد.
وذهب آخرون إلى أن هذه الآية ليست من بقية أحكام الجهاد ، بل هي حكم مستقل بنفسه في مشروعية الخروج لطلب العلم والتفقه في الدين ، جعله الله سبحانه متصلا بما دل على إيجاب الخروج إلى الجهاد ، فيكون السفر نوعين :
الأول : سفر الجهاد.
والثاني : السفر لطلب العلم.
ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر.
والفقه : هو العلم بالأحكام الشرعية ، وبما يتوصل به إلى العلم بها ، من لغة ونحو وصرف وبيان وأصول. وقد جعل الله سبحانه الغرض من هذا هو التفقه في الدين ، وإنذار من لم يتفقه ، فجمع بين المقصدين الصالحين ، والمطلبين الصحيحين ، وهما : تعلّم العلم وتعليمه ، فمن كان غرضه بطلب العلم غير هذين فهو طالب لغرض دنيوي لا لغرض ديني (٢).
[الآية الثامنة والعشرون]
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) : أمر سبحانه المؤمنين بأن يجتهدوا في مقاتلة من يليهم من الكفار في الدار والبلاد والنسب ، وأن يأخذوا في حربهم بالغلظة والشدة.
والجهاد واجب لكل الكفار ، وإن كان الابتداء بمن يلي المجاهدين منهم أهم وأقدم ، ثم الأقرب فالأقرب.
__________________
(١) انظر : زاد المسير (٣ / ٥٢٠) ، القرطبي (٨ / ٢٩٩).
(٢) انظر : الفقيه والمتفقه للخطيب (ص ١١) ط ـ دار الوطن.