ألسنتكم الكذب فيه هذا حلال وهذا حرام ، فحذف لفظة فيه لكونه معلوما ، فيكون قوله : هذا حلال وهذا حرام بدل من الكذب.
ويجوز أن يكون في الكلام حذف بتقدير القول ، أي ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم فتقول هذا حلال وهذا حرام وقائله هذا حرام وهذا حلال.
ويجوز أن ينتصب الكذب أيضا بتصف وتكون ما مصدرية ، أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب.
واللام في قوله : (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) هي لام العاقبة لا لام العرض ، أي فيعقب ذلك افتراؤكم على الله الكذب بالتحليل والتحريم ، وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه (١).
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية في سورة النحل : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) إلى آخر الآية ، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا (٢).
قال [الشوكاني في] (٣) «فتح القدير» (٤) : قلت : صدق رحمهالله ؛ فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فينا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله أو سنة رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما يقع كثيرا من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية ، أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة ؛ وإنهم لحقيقيون بأن يحال بينهم وبين فتواهم ويمنعوا من جهالاتهم ، فإنهم أفتوا بغير علم من الله ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا ؛ فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل :
كبهيمة عمياء قاد زمامها |
|
أعمى على عوج الطريق الجائر |
وقال الطبراني : عن ابن مسعود قال : عسى رجل يقول : إن الله أمر كذا ونهى عن كذا ، فيقول الله له : كذبت! أو يقول : إن الله حرم كذا وأحل كذا ، فيقول الله له :
كذبت (٥)! انتهى.
__________________
(١) انظر : زاد المسير (٤ / ٥٠٢) ، القرطبي (١٠ / ١٩٦) ، البيان (٢ / ٨٦).
(٢) أورده السيوطي في «الدر» (٥ / ١٧٥) وعزاه لابن أبي حاتم فقط.
(٣) ما بين [] سقط من المطبوعة.
(٤) انظره في «تفسيره» هذا (٣ / ٢٠١).
(٥) ضعيف : رواه الطبراني في «الكبير» (٨٩٩٥) عن عطاء بن السائب ، عن غير واحد من أصحابه به.