أمن .. نحو : أمن زيد الأسد أمنا .. وأمن منه .. مثل «سلم منه» وزنا ومعنى. والأصل : أن يستعمل في سكون القلب .. يتعدى بنفسه وبالحرف ويعدى إلى ثان بالهمزة نحو آمنته منه وأمنته عليه وائتمنته عليه فأنا مؤتمن ـ بكسر الميم الثانية .. اسم فاعل ـ وهو أمين ـ اسم مفعول ـ ولهذا قيل : وهب الأمين ما لا يملك وهو أصح من القول الشائع : وهب الأمير ما لا يملك لأن المعنى الأول : ائتمن على شيء لا يملكه ومعنى الثاني : أن الأمير أعطى ما لا يملك بلا عوض .. أي إذا أريد الأمانة فهو القول الأول وإذا أريد الهبة فهو القول الثاني. ويجوز أن يكون «الأمين» اسم فاعل بمعنى : المؤتمن إضافة إلى كونه «المؤتمن» بفتح الميم الثانية وهو بذلك شبيه بمعنى «المأمون» أي الموثوق به. والأمين هو الموثوق به أيضا أي المأمون الثقة ..
** (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة والعشرين .. والقول الكريم مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم وفي القول : تهكم بحالهم المنافية من يعظم فقده أو بمعنى : فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون يعني فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض فحذف الفاعل المضاف «أهل» وحل المضاف إليه «السماء .. والأرض» محله أي وما كانوا ممهلين إلى الآخرة بل عجل لهم الهلاك في الدنيا. وقيل هذا القول الكريم على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة .. وفيه تهكم بهم أي كان أهل السماء وأهل الأرض مسرورين بهلاكهم. يروى أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان في مأتم فبكى النساء فانتهرهن عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب. و «المأتم» عند العرب : نساء يجتمعن في الخير والشر وجمعه : مآتم .. وعند العامة يعني : المصيبة .. يقولون : كنا في مأتم فلان والصواب هو : كنا في مناحة فلان .. أي في موضع النوح : وهو مكان اجتماع الناس للحزن. و «النوح» و «النياح» هو البكاء بصياح وعويل وجزع. قال المعري :
غير مجد في ملتي واعتقادي |
|
نوح باك أو ترنم شاد |
واسم الفاعل للفعل «ناح» هو نائح وجمعه : نائحون ولكن الفعل مختص بالإناث فاسم الفاعل للمؤنث هو نائحة وجمعه : نائحات ـ جمع مؤنث سالم ـ ويجمع جمع تكسير فيقال : نوح ـ بضم النون وتشديد الواو ـ ونوح. قال الشاعر :
لا أنت زاحمت عن ملك فتمنعه |
|
ولا مددت إلى قوم بأسباب |
ما شق جيب ولا ناحتك نائحة |
|
ولا بكتك جياد عند أسلاب |
وإذا كان الفعل «ناح» قد اختص بالإناث ـ أي النساء ـ فقد استعير ليطلق على الطير أيضا مع فارق وهو أن قولنا : ناح الطير أو ناحت الحمامة : يعني غرد أو غردت لأن «ناحت» تعني : بكت وبكاء الحمام هو تغريده كما جاء في شعر أبي فراس الحمداني :
أقول وقد ناحت بقربي حمامة |
|
أيا جارتا لو تشعرين بحالي |
وقال الشاعر جميل بن عبد الله العذري صاحب «بثينة» :
وما زلتم يا بثن حتى لو أنني |
|
من الشوق أستبكي الحمام بكى ليا |
وأنت التي إن شئت كدرت عيشتي |
|
وإن شئت بعد الله أنعمت باليا |
و «بثن» منادى مرخم. والألف في «ليا» و «باليا» للاطلاق وقد جاء الفعل «بكى» مزيدا وهو استبكي فتعدى إلى المفعول.