يخاطبني من القول بما يتأذى به من يجوز التأذي عليه والله تعالى منزه عن أن يصير في حقه الأذى إذ هو محال عليه سبحانه .. إذ هو يراد به : أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله عزوجل ـ يسب الدهر وأنا الدهر أي أنا خالق الدهر وأنا الدهر المصرف المدبر المقدر لما يحدث» ومن معاني «الدهر» : النازلة : وهي المصيبة الشديدة وجمعها : نوازل .. ومن معانيه : الأمد المحدود والزمان الطويل والغلبة والعادة والغاية .. يقال : لا آتيه دهر الداهرين : أي أبدا ويقال : ما ذاك بدهري : أي عادتي .. وما دهري بكذا : أي وما غايتي ويقال : دهر القوم وبالقوم يدهرهم دهرا أمر مكروه : بمعنى : نزل بهم .. والزمن الذي يعيش فيه الانسان يسمى دهر الانسان .. والزمن يجمع على «أزمان» و «أزمن» في حين يجمع «الزمان» على «أزمنة» وأزمنة السنة هي فصولها الأربعة ومنه القول : أصيب فلان بمرض مزمن وهو اسم فاعل للفعل «أزمن» بمعنى بمرض عتق .. وأتت عليه أزمنة .. ونقول : مضى زمن قصير أفصح من قولنا : مضى ردح ـ بفتح الراء والدال ـ لأن «الردح» هو المدة الطويلة .. كما يقال : أقام فلان في هذا البلد ردحا من الدهر : أي فترة طويلة وعن ابن عيينة : الدهر عند الله يومان : أحدهما : اليوم الذي هو مدة عمر الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإماتة والإحياء والإعطاء والمنع والآخر : هو يوم القيامة فشأنه الجزاء والحساب. وقال أكثم بن صيفي : من عتب على الدهر معتبته : أي عتبه .. بمعنى : من غضب على الدهر طال غضبه لأن الدهر لا يخلو من «أذى» وقيل : نعم المؤدب الدهر. وجاءت لفظة «الدهر» في قول الشاعر :
هل الدهر إلا ليلة ونهارها |
|
وإلا طلوع الشمس ثم غيابها |
ومن أمثال العرب الشهيرة قولهم : هذا رجل أكل عليه الدهر وشرب .. يضرب هذا المثل لمن طال عمره .. يريدون : أكل وشرب دهرا طويلا وبهذا المعنى أيضا قيل الكثير من الشعر ومن ذلك هذا البيت من الشعر :
كم رأينا من أناس قبلنا |
|
شرب الدهر عليهم وأكل |
وقال الشاعر :
وقالت لقد أزرى بك الدهر بعدنا |
|
فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر |
وقال آخر :
لكل امرئ من دهره ما تعودا |
|
وعادات سيف الدولة الطعن في العدا |
و «الدهارير» هي أول «الدهر» في الزمان الماضي ولا واحد له ويعني أيضا الدواهي : «جمع داهية» ويعني كذلك : نوائب الدهر. و «الداهية» هي المصيبة والأمر العظيم. ويقال أصابتهم داهية دهياء أي شديدة مثل قولهم : هذه ليلة ليلاء : أي شديدة السواد وطويلة الوقت. والنوائب : جمع نائبة وهي أيضا بمعنى المصيبة. قال الشاعر :
ومن يتهيب صعود الجبال |
|
يعش أبد الدهر بين الحفر |
وقال طرفه بن العبد :
أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلة |
|
وما تنقص الأيام والدهر ينفد |
وقال أكثم بن صيفي وهو أحد حكماء العرب من تميم :
إذا ما الدهر جر على أناس |
|
كلاكله أناخ بآخرينا |
فقل للشامتين بنا أفيقوا |
|
سيلقى الشامتون كما لقينا |