ثمّ يقوده عناده ثانيا إلى الادعاء بأنّه سحر يؤثر ، وبأنّه قول البشر ، ويتم قوله هذا تحت مظلة تناقضه الشنيع ، وكذبه الصريح ، وفي ظل مظنة فقدانه الدليل ، ومن خلال خلو صرح كلامه من البرهان. فقال فيه قرآن ربه على لسانه مثبتا له عنفوان كفره ، وعناده : (فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) سورة المدثر ـ الآيات ٢٤ ـ ٢٥. قال الألوسي في تفسيره : «هذا كالتأكيد للجملة الأولى ؛ لأن المقصود منهما نفي كونه قرآنا ، أو من كلام الله تعالى ؛ ولذلك لم يعطف عليها بالواو ، وفي وصف إشكاله ، واستنباطه هذا القول السخيف استهزاء به ، وإشارة إلى أنّه عن الحق بمعزل. ويظهر من تتبع أحوال الوليد ، أنّه إنّما قال ذلك عنادا وحمية جاهلية ، لا جهلا بحقيقة الحال. ألا ترى ثناءه على القرآن ، ونفيه عنه جميع ما نسبوا إليه من الشعر ، والكهانة ، والجنون» (١).
ثانيا : ويكفينا الرد في هذا المقام بالاستئناس ، والاستشهاد بتنزيه الإله الواحد القهار لرسوله ، وخاتم أنبيائه من شواهد ، وصفات الشعر ، والسحر ، والجنون ، والكهانة. وهذا دليلنا ، ولا دليل لهم ، وهذا شاهدنا ، ولا شاهد لهم ، وهذا استئناسنا إيمانا بربنا ، ولا استئناس لهم ، وقد كفروا بربهم. فالله تعالى ينفي عن رسوله الحبيب المصطفى «صلوات الله عليه وسلم» صفات الشعر ، فهو يقول : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) سورة الحاقة آية ٤١.
وينفي عنه شواهد السحر ، فهو يقول : (فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) الآيات ٢٤ ـ ٢٩.
وهو يقول أيضا : (الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) سورة السجدة آية ١ ـ ٢. وينفي عنه شواهد الجنون ، فهو يقول : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) سورة
__________________
(١) الألوسي ـ التفسير ـ ج ٢٩ ص ١٢٥ ـ ١٢٦.