ولعل ما يبرز شرور مغالطات العلمانيين في تبرير شبهتهم أنّهم يحكمون على حقيقة الكلية بجزئياتها ، وعلى سلامة الأمور بهناتها. وهم يحكمون على ديمومة حكم الإسلام بقلائل هفوات حكامه. وهم يعلمون أن شواهد عصمة الإسلام في صلاحيته ، واستمراريته ليس من الضرورة أن تمتد لتتناول شواهد تنفيذه ، ومعالم تطبيقه ، وأعمال الحكام في تطبيق أنظمته ، وتعاليمه. فالفكر البشري ، والعمل الإنساني صنوان في الفهم للفكر الإسلامي ، وكلاهما يدور في حلقة عدم العصمة لكل منهما. وكما يقول شيخنا محمد الغزالي : «نعرف الفرق بين الإسلام ، والفكر الإسلامي ، وبين الإسلام ، والحكم الإسلامي ... فالإسلام وحي معصوم لا ريب فيه. أمّا الفكر الإسلامي ، فهو عمل الفكر البشري في فهمه ، والحكم الإسلامي هو عمل السلطة البشرية في تنفيذه ؛ وكلاهما لا عصمة له». وليس من الضروري بأي حال من الأحوال ـ والعلمانيون يعرفون ذلك ـ أنّ عدم العصمة للعمل البشري يجب أن تبقيه دائما في حلقة الأخطاء أو تقوده دائما إلى مجافاة الصواب. فالحاكم المسلم قد يخطئ ، وهو غير معصوم من الخطأ. ولكن لا يطول خطؤه ، فيندم ، ويعود إلى صوابه. وقد يزلّ ، ولكن لا يستمر زلله ؛ فيقومه أصحابه ، وأمته. والأمة الإسلامية لا تجتمع على خطأ. وهذا هو التصور العقلاني السليم للحكم في الإسلام حيث جعل ـ وهو معصوم ـ في متناول أيدي الحكام المسلمين ـ وهم غير معصومين ـ وهذا هو الابتلاء الحقيقي لمن استخلفهم الله في حكمه ؛ ومن فشل في هذا الابتلاء من الحكام المسلمين ، فقليل ما هم ، ولو كره العلمانيون ، يقول أستاذنا محمد الغزالي : وعند ما يخطئ مفكر فإن خطأه لا يبقى طويلا حتى يستدرك عليه مفكر آخر. وعند ما يخطئ حاكم ، فإنّ زلته لن تطول حتى يصوبها ناقد راشد ، والأمة الإسلامية ـ بفضل الله ـ لا تجتمع على خطأ ، وجهاز الدعوة بها حساس. وهو عن طريق التعليم ، والأمر والنهي ينصف الحق. ولما كانت هذه الأمّة حاملة الوحي الخاتم ، فإنّ القدر يؤدبها لذا استرخت ، أو فرطت حتى تلزم الصراط المستقيم ، ويتعهدها بالمجددين الذين يغارون على حقائق الوحي ، وسبل