تفنيد هذه الشبهة :
أولا : الروايتان عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ غير صحيحتين وإسنادهما ضعيف ، وفيهما انقطاع ، واضطراب. قال العلامة الألوسي في تفسيره : «إن ذلك لم يصح عن عثمان أصلا».
ثانيا : الروايتان تتناقضان تماما مع ما عرف عن عثمان بن عفان من ورع ، ودقة ، وكمال ، وشدة تحري ؛ وخاصة فيما يتعلق بالقرآن وجمعه. ويدلل على هذا ما أخرجه أبو عبيد عن عبد الرحمن بن هانئ مولى عثمان قال : «كنت عند عثمان ـ وهم يعرضون المصاحف ـ فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها : «لم يتسنّ» ، وفيها : «لا تبديل للخلق» ، وفيها : «فأمهل الكافرين» ، فدعا بدواة ، فمحا أحد اللامين ، وكتب (لِخَلْقِ اللهِ) ، ومحا «فأمهل» ، وكتب (فَمَهِّلِ) ، وكتب (لَمْ يَتَسَنَّهْ) فألحق فيها الهاء. قال ابن الأنباري : «فكيف يدعى عليه أنّه رأى فسادا فأمضاه؟! وهو يوقف على ما يكتب ، ويرفع الخلاف الواقع من الناسخين فيه ، فيحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب ، وتخليده».
ثالثا : على فرض صحة الروايتين ، فإننا يمكن أن نؤولها بما يتفق ويتلاءم مع الصحيح المتواتر عن عثمان في كتابة المصاحف وجمعها ؛ ومن الدقة ، والضبط ، ونهاية التثبت. فالمراد باللحن في الروايتين المذكورتين وجه في القراءة. فيكون المراد : أن في القرآن ورسم مصحفه وجها في القراءة لا تتقنه ، ولا تجيده ألسنة العرب جميعا ، ولكنها ، ومع مرور الزمن ستلين ألسنتهم ، وستتقنه ، وستجيد قراءته ، وتلاوته ؛ بكثرة القراءة ، والمران ، والتلاوة بهذا الوجه. فاللحن المراد في قول عثمان ـ إن صح ـ هو الوجه في القراءة سيصعب على العرب التلاوة به في أوّل الأمر ثم تستقيم القراءة به في نهاية الأمر ، وقد ضرب العلماء مثلا على ذلك ، وهو كلمة «الصراط» بالصاد المبدلة من السين ، فتقرأ العرب بالصاد عملا بالرسم ، وبالسين عملا بالأصل.