وقوله سبحانه : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) قالت فرقة : معناه أمر البعث ، (وَنُقِرُّ) أي : ونحن نقرّ في الأرحام ، والأجل المسمّى مختلف بحسب حين حين ، فثمّ من يسقط ، وثم من يكمل أمره ويخرج حيّا.
وقوله سبحانه : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) قد تقدّم بيان هذه المعاني ، والردّ إلى أرذل العمر هو حصول الإنسان في زمانة ، واختلال العقل والقوة ، فهذا مثال واحد يقتضي للمعتبر به أن القادر على هذه المناقل ، المتقن لها ـ قادر على إعادة تلك الأجساد التي أوجدها بهذه المناقل ، إلى حالها الأولى.
وقوله عزوجل : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) هذا هو المثال الثاني الذي يعطي للمعتبر فيه جواز بعث الأجساد ؛ وذلك أنّ إحياء الأرض بعد موتها بيّن ؛ فكذلك الأجساد ، و (هامِدَةً) : معناه : ساكنة دارسة بالية ، واهتزاز الأرض : هو حركتها بالنبات وغير ذلك ممّا يعتريها بالماء ، (وَرَبَتْ) : معناه : نشزت وارتفعت ؛ ومنه الربوة وهي المكان المرتفع ، والزوج : النوع ، والبهيج : من البهجة ، وهي الحسن ؛ قاله قتادة (١) وغيره.
وقوله : (ذلِكَ) إشارة إلى كل ما تقدم ذكره ، وباقي الآية بين.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (١٠)
وقوله سبحانه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...) الآية ، الإشارة بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ) إلى القوم الذين تقدّم ذكرهم ، وكرّر هذه الآية ؛ على جهة التوبيخ فكأنه يقول : فهذه الأمثال في غاية الوضوح ، ومن الناس مع ذلك من يجادل ، و (ثانِيَ) : حال من الضمير في (يُجادِلُ).
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ١١٣) برقم (٢٤٩٣٧ ، ٢٤٩٣٨) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٠٩) ، والسيوطي (٤ / ٦٢٢) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة.