وقوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ) : عبارة عن المتكبّر المعرض ؛ قاله ابن عباس (١) وغيره ؛ وذلك أنّ صاحب الكبر يردّ وجهه عمّن يتكبر عنه ، فهو يردّ وجهه يصعّر خدّه ، ويولي صفحته ، ويلوي عنقه ، ويثني عطفه ، وهذه هي عبارات المفسرين ، والعطف : الجانب.
وقوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) أي : يقال له ذلك ، واختلف في الوقف على : (يَداكَ) فقيل : لا يجوز : لأنّ التقدير : وبأنّ الله ، أي : أنّ هذا هو العدل فيك بجرائمك.
وقيل : يجوز بمعنى : والأمر أنّ الله ليس بظلّام للعبيد.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (١٨)
وقوله سبحانه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ...) الآية نزلت في أعراب ، وقوم لا يقين لهم ؛ كان أحدهم إذا أسلم فاتفق له اتفاقات حسان : من نموّ مال ، وولد يرزقه ، وغير ذلك ـ قال : هذا دين جيّد ، وتمسك به لهذه المعاني ، وإن كان الأمر بخلاف ذلك ، تشاءم به ، وارتد ؛ كما فعل العرنيون ، قال هذا المعنى ابن عباس (٢) وغيره.
وقوله : (عَلى حَرْفٍ) معناه : على انحراف منه عن العقيدة البيضاء ، وقال البخاريّ (٣) : (عَلى حَرْفٍ) : على شكّ ، ثم أسند عن ابن عباس ما تقدم من حال الأعراب ، انتهى. وقوله : (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ) يريد الأوثان ، ومعنى (يَدْعُوا) : يعبد ، ويدعو أيضا في ملمّاته ، واللام في قوله : (لَمَنْ ضَرُّهُ) : لام مؤذنة بمجيء القسم ، والثانية في (لَبِئْسَ) : لام القسم ، و (الْعَشِيرُ) : القريب المعاشر في الأمور.
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ١١٤) برقم (٢٤٩٤٤) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٠٩) ، والسيوطي (٤ / ٦٢٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ١١٥) رقم (٢٤٩٤٨) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ١١٠) ، وابن كثير (٣ / ٢٠٩) بنحوه ، والسيوطي (٤ / ٦٢٣) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس.
(٣) ينظر : «صحيح البخاري» (٨ / ٢٩٦) كتاب التفسير باب (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ).