ت وفي الحديث في شأن النساء : «ويكفرن العشير» يعني الزوج.
قال أبو عمر بن عبد البر (١) : قال أهل اللغة : العشير : الخليط من المعاشرة والمخالطة ، ومنه قوله عزوجل : (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) انتهى من «التمهيد» ، والذي يظهر : أنّ المراد بالمولى والعشير هو الوثن الذي ضرّه أقرب من نفعه ، وهو قول مجاهد (٢) ، ثم عقّب سبحانه بذكر حالة أهل الإيمان وذكر ما وعدهم به فقال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...) الآية ، ثم أخذت الآية في توبيخ أولئك الأولين كأنه يقول : هؤلاء العابدون على حرف صحبهم القلق ، وظنّوا أنّ الله تعالى لن ينصر محمدا وأتباعه ، ونحن إنّما أمرناهم بالصبر وانتظار وعدنا ، فمن ظنّ غير ذلك فليمدد بسبب ، وهو الحبل وليختنق هل يذهب بذلك غيظه؟ قال هذا المعنى قتادة (٣) ، وهذا على جهة المثل السائر في قولهم : «دونك الحبل فاختنق» ، و (السَّماءِ) على هذا القول : الهواء علوّا ، فكأنه أراد سقفا أو شجرة ، ولفظ البخاري : وقال ابن عباس : «بسبب إلى سقف البيت» (٤) ، انتهى ، والجمهور على أنّ القطع هنا هو الاختناق.
قال الخليل : وقطع الرجل : إذا اختنق بحبل ونحوه ، ثم ذكر الآية ، ويحتمل المعنى من ظنّ أنّ محمدا لا ينصر فليمت كمدا ؛ هو منصور لا محالة ، فليختنق هذا الظانّ غيظا وكمدا ، ويؤيد هذا : أنّ الطبريّ والنقاش قالا : ويقال : نزلت في نفر من بني أسد وغطفان ، قالوا : نخاف ألّا ينصر محمد ؛ فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من يهود من المنافع (٥) ، والمعنى الأوّل الذي قيل للعابدين على حرف ـ ليس بهذا ؛ ولكنه بمعنى : من قلق واستبطأ النصر ، وظنّ أن محمدا لا ينصر فليختنق سفاهة ؛ إذ تعدّى الأمر الذي حد له في الصبر وانتظار صنع الله ، وقال مجاهد : الضمير في (يَنْصُرَهُ) عائد على (مَنْ) والمعنى : من كان من المتقلّقين من المؤمنين (٦) ، وما في قوله : (ما يَغِيظُ) بمعنى الذي ، ويحتمل أن تكون مصدرية حرفا ؛ فلا عائد عليها ، وأبين الوجوه في الآية : التأويل الأوّل وباقي الآية بيّن.
وقوله : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) ، أي : ساجدون مرحومون بسجودهم ، وقوله : (وَكَثِيرٌ
__________________
(١) ينظر «التمهيد» (٣ / ٣٢٤)
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ١١٨) برقم (٢٤٩٥٨) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١١١) ، وذكره ابن كثير (٣ / ٢١٠)
(٣) أخرجه الطبريّ (٩ / ١١٨) برقم (٢٤٩٥٩ ، ٢٤٩٦٠) نحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ١١١) ، وابن كثير (٣ / ٢١٠) نحوه ، والسيوطي (٤ / ٦٢٣) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبريّ (٩ / ١١٩) برقم (٢٤٩٦٦) ، وذكره ابن كثير (٣ / ٢١٠) نحوه ، وذكره السيوطي (٤ / ٦٢٥) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٥) ذكره ابن عطية (٤ / ١١١)
(٦) ذكره البغوي (٣ / ٢٧٨) ، وابن عطية (٤ / ١١١ ، ١١٢).