يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (١٨)
وقوله سبحانه : (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) المعنى : قل يا محمد لهؤلاء الكفرة الصائرين إلى هذه الأحوال من النار : أذلك خير أم جنّة الخلد ، وهذا استفهام على جهة التوقيف والتوبيخ ؛ لأنّ الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما شاء ؛ ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطإ.
وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) يعني الكفار ، (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يريد كل شيء عبد من دون الله ، وقرأ ابن (١) عامر : «فنقول» بالنون ، قال جمهور المفسرين : والموقف المجيب كل من ظلم بأن عبد ممّن يعقل كالملائكة وعيسى وعزير وغيرهم ، وقال الضحّاك وعكرمة : الموقف المجيب : الأصنام التي لا تعقل يقدرها الله تعالى على هذه المقالة ، ويجيء خزي الكفرة لذلك أبلغ (٢) ، وقرأ الجمهور (٣) : «نتّخذ» ـ بفتح النون ـ ، وذهبوا بالمعنى إلى أنّه من قول من يعقل ، وأنّ هذه الآية بمعنى التي في سورة سبإ : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ) الآية [سبأ : ٤٠]. وكقول عيسى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) [المائدة : ١١٧].
وقولهم : (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) أي : ما ذكر به الناس على ألسنة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ، وقرأ زيد بن ثابت (٤) وجماعة : «نتّخذ» ـ بضم النون ـ.
(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ
__________________
(١) قال أبو علي الفارسي : وقراءة ابن عامر : «ويوم نحشرهم فنقول» حسن ؛ لإجرائه المعطوف مجرى المعطوف عليه في لفظ الجمع ، وقد قال : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ) [سبأ : ٤٠] ، (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) [الأنعام : ٢٢] ، (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ) [الكهف : ٤٧].
ينظر : «الحجة للقراء السبعة» (٥ / ٣٣٨) ، و «السبعة» (٤٦٣) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ١١٧) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٢١٤) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٩٣) ، و «العنوان» (١٤٠) ، و «حجة القراءات» (٥٠٩) ، و «شرح شعلة» (٥١٧) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٠٦)
(٢) ذكره البغوي (٣ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤) ، وابن عطية (٤ / ٢٠٤)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٠٤) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٤٤٦) ، و «الدر المصون» (٥ / ٢٤٧)
(٤) وقرأ بها أبو جعفر ، والحسن ، وأبو الدرداء ، وأبو رجاء ، ونصر بن علقمة ، ومكحول ، وزيد بن علي ، وحفص بن حميد ، والسلمي.
ينظر «الشواذ» ص (١٠٥) ، و «الكشاف» (٣ / ٢٧٠) ، و «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٠٤) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٤٤٨) ، و «الدر المصون» (٥ / ٢٤٧)