عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (٢٠)
وقوله تعالى : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ...) الآية : خطاب من الله تعالى للكفرة ، أخبرهم أنّ معبوداتهم كذبتهم ، وفي هذا الإخبار خزي وتوبيخ لهم ، وقرأ حفص عن عاصم : «فما تستطيعون» ـ بالتاء من فوق ـ ؛ قال مجاهد (١) : الضمير في «يستطيعون» هو للمشركين ، و (صَرْفاً) معناه ردّ التكذيب أو العذاب.
وقوله تعالى : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) قيل : هو خطاب للكفّار ، وقيل : للمؤمنين ، والظلم هنا : الشرك ، قاله الحسن (٢) وغيره ، وقد يحتمل أن يعم غيره من المعاصي ، وفي حرف أبيّ : «ومن يكذب منكم نذقه عذابا كبيرا».
وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ...) الآية : ردّ على قريش في قولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) ثم أخبر عزوجل أنّ السبب في ذلك أنّه جعل بعض عبيدة فتنة لبعض على العموم في جميع الناس مؤمن وكافر ، والتوقيف ب (أَتَصْبِرُونَ) خاصّ بالمؤمنين المحققين ، قال ابن العربيّ في «الأحكام» (٣) : ولما كثر الباطل في الأسواق ، وظهرت فيه المناكر ـ كره علماؤنا دخولها لأرباب الفضل والمقتدى يهم في الدّين ؛ تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله تعالى فيها ، انتهى. ثم أعرب قوله تعالى : (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين ، وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من دخل السوق ، فقال : لا إله إلّا الله وحده ، لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كلّ شيء قدير ـ كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيّئة ، ورفع له ألف ألف درجة» (٤) ، رواه الترمذيّ وابن ماجه ، وهذا لفظ الترمذيّ ، وزاد في رواية أخرى : «وبنى له بيتا في الجنّة» ، ورواه الحاكم في «المستدرك» من عدة طرق ، انتهى من «السلاح».
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٣٧٥) برقم (٢٦٣٠٧ ، ٢٦٣٠٨) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٢٠٤) ، والسيوطي (٥ / ١١٩) ، وعزاه للفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٣٧٦) برقم (٢٦٣١٢) عن الحسن ، و (٣٦٣١١) عن ابن جريج. وذكره ابن عطية (٤ / ٢٠٤) ، والسيوطي (٥ / ١١٩) ، وعزاه لعبد الرزاق عن الحسن.
(٣) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١٤١٤)
(٤) تقدم تخريجه في سورة آل عمران.