«وأزواجه أمّهاتهم وهو أب لهم» وقرأ ابن عباس (١) «من أنفسهم وهو أب لهم» ووافقه أبيّ على ذلك. ثم حكم تعالى : بأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في التوارث ، مما كانت الشريعة قررته من التوارث بأخوة الإسلام ، و (فِي كِتابِ اللهِ) يحتمل أن يريد القرآن أو اللوح المحفوظ.
وقوله : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلق ب (أَوْلى) الثانية.
وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) يريد الإحسان في الحياة والصلة والوصيّة عند الموت و «الكتاب المسطور» : يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) (٨)
وقوله سبحانه : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) المعنى واذكر إذ أخذنا من النبيين ، وهذا الميثاق :
قال الزجاج (٢) وغيره : إنه الذي أخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب آدم كالذر ، بالتبليغ وبجميع ما تضمّنته النبوّة. وروي نحوه عن أبيّ بن كعب (٣).
وقالت فرقة : بل أشار إلى أخذ الميثاق عليهم وقت بعثهم وإلقاء الرسالة إليهم ، وذكر تعالى النبيين جملة ، ثم خصّص أولي العزم منهم تشريفا لهم ، واللام في قوله (لِيَسْئَلَ) يحتمل أن تكون لام كي ، أو لام الصيرورة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً) (١٢)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ ...) الآيات إلى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) [الأحزاب : ٢٨] نزلت في شأن غزوة
__________________
(١) ونسبها الزمخشري في «الكشاف» (٣ / ٥٢٣) إلى ابن مسعود. وينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٣٧٠) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٢٠٨)
(٢) ينظر : «معاني القرآن» للزجاج (٤ / ٢١٦)
(٣) ذكره ابن عطية (٤ / ٣٧١) ، وابن كثير (٣ / ٤٦٩) بنحوه.