الخندق ، وما اتّصل بها من أمر بني قريظة ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أجلى بني النّضير من موضعهم عند المدينة إلى خيبر ، فاجتمعت جماعة منهم ، ومن غيرهم من اليهود ، وخرجوا إلى مكّة مستنهضين قريشا إلى حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجسّروهم على ذلك ، وأزمعت (١) قريش السير إلى المدينة ، ونهض اليهود إلى غطفان ، وبني أسد ، ومن أمكنهم من أهل نجد وتهامة ، فاستنفروهم إلى ذلك وتحزّبوا وساروا إلى المدينة ، واتّصل خبرهم بالنّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فحفر الخندق حول المدينة ، وحصّنها ، فوردت الأحزاب ، وحصروا المدينة ، وذلك في شوّال سنة خمس ، وقيل : أربع من الهجرة ، وكانت قريظة قد عاهدوا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وعاقدوه ألّا يلحقه منهم ضرر ، فلمّا تمكّن ذلك الحصار ، وداخلهم بنو النضير غدروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونقضوا عهده ، وضاق الحال على المؤمنين ، ونجم النفاق وساءت ظنون قوم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم مع ذلك يبشّر ويعد النّصر ، فألقى الله عزوجل الرعب في قلوب الكافرين ، وتخاذلوا ويئسوا من الظفر ، وأرسل الله عليهم ريحا وهي الصبا ، وملائكة تسدّد الريح ، وتفعل نحو فعلها ، وتلقي الرعب في قلوب الكفرة ، وهي الجنود التي لم تر ، فارتحل الكفرة وانقلبوا خائبين.
قوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) يريد : أهل نجد مع عيينة بن حصن (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) : يريد أهل مكة وسائر تهامة قاله مجاهد (٢). و (زاغَتِ الْأَبْصارُ) معناه مالت عن مواضعها وذلك فعل الواله الفزع المختبل. (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) عبارة عمّا يجده الهلع من ثوران نفسه وتفرقها ويجد كأنّ حشوته وقلبه يصّعّد علوّا ، وروى أبو سعيد أن المؤمنين قالوا يوم الخندق : يا نبيّ الله ، بلغت القلوب الحناجر ؛ فهل من شيء نقوله؟ قال : نعم ؛ قولوا : «اللهمّ ، استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا» فقالوها ؛ فضرب الله وجوه الكفّار بالرّيح فهزمهم (٣).
وقوله سبحانه : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ...) الآية : عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين لا يمكن البشر دفعها ، وأما المنافقون قنطقوا ، ونجم نفاقهم. و (ابْتُلِيَ
__________________
(١) الزمع : المضاء في الأمر والعزم عليه. وأزمع الأمر ، وبه ، وعليه ، مضى فيه ، فهو مزمع.
ينظر : «لسان العرب» ١٨٦٢.
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٢٦٥) رقم (٢٨٣٦٧) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٣٧٢) ، والسيوطي (٥ / ٣٥٧) ، وعزاه للفريابي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٣) أخرجه أحمد (٣ / ٣) ، والطبريّ في «تفسيره» (١٠ / ٢٦٣) رقم (٢٨٣٦٠) من حديث أبي سعيد الخدري ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٣٥٥) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.