هذا ممّن قضى نحبه» (١).
قال ع (٢) : فهذا أدل دليل على أن النّحب ليس من شرطه الموت.
وقال معاوية بن أبي سفيان : إني سمعت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : طلحة ممّن قضى نحبه (٣) ، وروت عائشة نحوه (٤).
وقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يريد ومنهم من ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح ، وهم بسبيل ذلك وما بدّلوا ولا غيّروا ، واللام في : (لِيَجْزِيَ) يحتمل أن تكون لام الصيرورة أو «لام كي» ، وتعذيب المنافقين ثمرة إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم ، والتوبة موازية لتلك الإدامة ، وثمرة التوبة تركهم دون عذاب ، فهما درجتان : إدامة على نفاق أو توبة منه ، وعنهما ثمرتان : تعذيب أو رحمة. ثم عدّد سبحانه ـ نعمه على المؤمنين في هزم الأحزاب ؛ فقال : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ...) الآية.
(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٢٧)
وقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) يريد : بني قريظة ، وذلك أنّهم لمّا غدروا وظاهروا الأحزاب ، أراد الله النّقمة منهم ، فلمّا ذهب الأحزاب ؛ جاء جبريل إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وقت الظهر ؛ فقال : يا محمّد ، إنّ الله يأمرك بالخروج إلى بني قريظة ، فنادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في النّاس ، وقال لهم : / «لا يصلّينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة (٥) ، فخرج النّاس إليهم ، وحصرهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خمسا وعشرين ليلة ، ثمّ نزلوا على حكم سعد بن معاذ ؛ فحكم فيهم سعد بأن تقتل المقاتلة ، وتسبى الذّرّيّة والعيال والأموال ، وأن تكون الأرض والثمار للمهاجرين دون الأنصار ، فقالت له الأنصار في ذلك ، فقال : أردت أن يكون للمهاجرين أموال كما لكم أموال ، فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لقد حكمت فيهم بحكم
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) ينظر : «المحرر» (٤ / ٣٧٨)
(٣) ينظر : الحديث السابق.
(٤) ينظر : الحديث السابق.
(٥) أخرجه البخاري (٧ / ٤٧١) كتاب المغازي : باب مرجع النبي صلىاللهعليهوسلم حديث (٤١١٩) ، ومسلم (٣ / ١٣٩١) كتاب الجهاد : باب المبادرة بالغزو ، حديث (٦٩ / ١٧٧٠) من حديث ابن عمر.