قلت : وروى الترمذيّ عن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم المنبر ، فنادى بصوت رفيع ، فقال : «يا معشر من قد أسلم بلسانه ، ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم ، ولا تتّبعوا عوراتهم ، فإنّه من يتّبع عورة أخيه المسلم ؛ يتّبع الله عورته ؛ ومن يتّبع الله عورته يفضحه ، ولو في جوف رحله ...» الحديث (١). انتهى. ورواه أبو داود في «سننه» من طريق أبي برزة الأسلمي عن النبي صلىاللهعليهوسلم (٢) وتوعّد الله سبحانه هذه الأصناف في هذه الآية.
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المرض ، هنا : هو الغزل وحب الزنا ؛ قاله عكرمة (٣). (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) : هم قوم كانوا يتحدثون بغزو العرب المدينة ؛ ونحو هذا مما يرجفون به نفوس المؤمنين ، فيحتمل أن تكون هذه الفرق داخلة في جملة المنافقين ، ويحتمل أن تكون متباينة و (لَنُغْرِيَنَّكَ) معناه : نحضك عليهم بعد تعيينهم لك. وفي «البخاري» : وقال ابن عباس (٤) : (لَنُغْرِيَنَّكَ) : لنسلطنك. انتهى.
وقوله تعالى : (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) أي : بعد الإغراء لأنك تنفيهم بالإخافة والقتل.
وقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) يحتمل : أن يريد إلا جوارا قليلا ، أو وقتا قليلا ، أو عددا قليلا ، كأنه قال : إلا أقلاء ، و (ثُقِفُوا) : معناه : حصروا وقدر عليهم و (أُخِذُوا) : معناه : أسروا والأخيذ الأسير. و (الَّذِينَ خَلَوْا) هم منافقو الأمم ، وباقي الآية متّضح المعنى. و (السَّبِيلَا) : مفعول ثان ؛ لأنّ أضل متعد بالهمزة ، وهي سبيل الإيمان والهدى ،
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ (٤ / ٣٧٨) كتاب البر والصلة : باب ما جاء في تعظيم المؤمن ، حديث (٢٠٣٢) من حديث ابن عمر.
وقال الترمذيّ : هذا حديث حسن غريب.
وأخرجه أبو داود (٢ / ٦٨٦) كتاب الأدب : باب في الغيبة ، حديث (٤٨٨٠) من حديث أبي برزة الأسلمي.
(٢) تقدم تخريجه ، وينظر الحديث السابق.
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٣٣) (٢٨٦٥٤) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ٣٩٩) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥١٩) بنحوه ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤١٧) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مالك بن دينار عن عكرمة بنحوه.
(٤) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٣٤) (٢٨٦٦١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٤٠٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥١٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤١٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.