سفيان بن حرب (١) ، واللّام من قوله : (لِيَجْزِيَ) يصحّ أن تكون متعلقة بقوله : (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) و (الَّذِينَ) معطوف على (الَّذِينَ) الأولى ، أي : وليجزي ليجزي الّذين سعوا و (مُعاجِزِينَ) معناه : محاولين تعجيز قدرة الله فيهم ، ثم أخبر تعالى بأنّ الذين أوتوا العلم يرون الوحي المنزّل على محمّد عليهالسلام حقا ، و (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قيل : هم من أسلم من أهل الكتاب ، وقال قتادة : هم أمّة محمّد المؤمنون (٢) به ، ثمّ حكى الله تعالى عن الكفّار مقالتهم الّتي قالوها على جهة التعجّب والهزء واستبعاد البعث ، (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) ؛ يعنون محمّدا صلىاللهعليهوسلم (يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) بالبلى وتقطّع الأوصال في القبور وغيرها و (جَدِيدٍ) بمعنى مجدّد ، وقولهم : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) هو أيضا من قول بعضهم لبعض ، ثمّ أضرب عن قولهم ؛ فقال : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ) : يريد عذاب الآخرة ؛ لأنّهم صائرون إليه ، ويحتمل أن يريد عذاب الدنيا أيضا ، والضمير في قوله : (أَفَلَمْ يَرَوْا) لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة ؛ وقفهم الله على قدرته ، وخوّفهم من إحاطتها بهم ، والمعنى : أليس يرون أمامهم ووراءهم سمائي وأرضي ، وباقي الآية بيّن ، ثم ذكر الله تعالى نعمته على داود وسليمان / احتجاجا على ما منح محمّدا ، و (أَوِّبِي) معناه : رجّعي معه ، قال ابن عبّاس وغيره : معناه : يا جبال سبّحي معه ، أي : يسبّح هو وترجّع هي معه التسبيح ، أي : تردّده بالذكر (٣).
وقال مؤرج : (أَوِّبِي) سبّحي بلغة الحبشة ، وقرأ (٤) عاصم : «والطير» ـ بالرفع ـ عطفا على لفظ قوله : «يا جبال» وقرأ نافع وابن كثير : «والطير» بالنّصب ـ.
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٤ / ٤٠٥)
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٤٧) (٢٨٧١١) ، وذكره البغوي (٣ / ٥٤٩) ، وابن عطية (٤ / ٤٠٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢٦) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٥٠) (٢٨٧١٩) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٤٠٧) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٢٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤٢٦) ، وعزاه لابن أبي شيبة في «المنصف» ، وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٤) يعني قرأ عاصم في غير رواية حفص. وبها قرأ الأعرج وقرأ بها يعقوب كما ذكر الأزهري في «معاني القراءات» (٢ / ٢٩٠). وقرأ بقراءة الجمهور عاصم في رواية حفص ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، وأبو جعفر. وبالجملة فقد قال الأزهري (٢ / ٢٨٩) : واتفق القراء على نصب قوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ).
وينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٠٧) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٢٥٣) ، و «الدر المصون» (٥ / ٤٣٤)